نتابع لاحقاً..

محمّد عارف قسّوم
 محمّد عارف قسّوم

النّاس جميعاً، وأنا واحدٌ منهم، احتفلوا بقدومِ عامٍ جديدٍ، كلٌّ على طريقتِهِ، مستبشرينَ راجينَ أنْ يحملَ في طيّاته الخيرَ والسّعادةَ والأملَ والسّلامَ….

هنا في غربتي الّتي أعيشها مُكْرَهاً حاولتُ ألّا أعكّرَ صفاءَ الآخرين بما يكتنفني من حزنٍ مزمنٍ على وطنٍ تنهش لحمَه الضّباعُ، وأنْ أختلسَ بعضَ الفرح..

دعواتُ أبي وأمّي وصحبتُهما ورضاهما أجملُ ما يُمكن لي استقبالُ العامِ الجديدِ به.. الاتّصال بالأهل الّذين بعثرتهم الأيّامُ أزاهيرَ عطاء حيثُ حلّوا.. ابتسامةُ حبيبتي الّتي تختزن كوناً من الرّضا والتّفاؤل والبِشْرِ.. ضحكاتُ أطفالي السّاحرة.. الاستماعُ إلى نبض الأحبّة على صفحاتهم الأنيقة أناقة أرواحهم….

غير بعيد؛ في الواقع أو في الفضاء الأزرق ثمّة من لم يَرُقْ لهم ذلك كلُّه.. يسألني أحدُهم: احتفلتَ؟

  • ولم لا؟!
  • ألا ترى المآسي والمصائبَ والموت؟
  • بلى؛ ولذا جاء الاحتفاءُ دعواتٍ صادقةً لغدٍ مختلفٍ في كرنفالٍ إنسانيٍّ مَوَّارٍ بالمحبّةِ والحياةِ..
  • ولكنّه طقسٌ غربيٌّ مسيحيٌّ!!
  • هل أجمل من أن يشارك الإنسانُ إخوتَه في كلّ مكانٍ المشاعرَ الإنسانيّةَ الجميلةَ؟
  • لكنّهم أعداؤنا؟!
  • أعداؤنا أولئكَ الّذين يريدونه عالماً غارقاً في المآسي والأحزان ولا يريدون له أنْ يحيا لحظةَ فرحٍ واحدةٍ كهذه..

مَنْ يوقدُ النّاسُ شموعَ الأملِ ولاتقرّ لهم عيونٌ إلّا بإطفائها.. مَنْ يُغَنّي البشرُ للمحبّة والسّلام، مقتنصين أيّةَ فسحة رجاءٍ ممكنة، ويصرّون على أناشيد الكراهية والبغضاء والحروب الأزليّة الّتي لا انتهاء لها..

مَنْ يعود البشرُ لأصلٍ واحدٍ ويريدونهم أصولاً متنازعةً متنافرةً..

مَنْ سخّر اللهُ كلَّ شيءٍ لخدمة الإنسان وحرّيّته ويسخّرون كلَّ شيءٍ لإهانته وإذلاله واستعباده وإلغائه..

مَنْ أرادها الله سلماً ويريدونها حرباً..

أعداؤنا أعداءُ الحياة.. أعداءُ الحرّيّة.. ودعاةُ الموتِ ليس غير…

(الكائناتُ) الظّلاميّةُ الّتي تقتاتُ على أكداسِ الجثثِ والدّماءِ، مفصِّلةً (الإلهَ والجغرافيا) على مقاس نزواتها، محتكِرةً جَنَّةً -عرضهُا السّمواتُ والأرضُ- لـ (أناها) المريضةِ المتضخّمةِ المتورّمةِ، متمنّيةً لو أنّها أضيقُ مِنْ خُرْمِ إبرةٍ، وليذهب الآخرون جميعاً إلى الجحيم.

أعداؤنا هؤلاء لا مَنْ ذكرتَ…..

  • مـ.. مَـ.. مَـ…. تأخّرتُ عن صلاة (الجماعة)…… نتابع لاحقاً..

 محمّد عارف قسّوم

 1/ 1/ 2021

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *