الرئيسية / على ناصية قلب (نصوص وكتابات)

على ناصية قلب (نصوص وكتابات)

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: ـ الكتب خارجنا لا تقتلنا إذا سقطت علينا مهما كانت ثقيلة، الكتب الّتي تقتل هي الّتي في داخلنا، لقد التهمت الكثير من الكتب، كنت أبيع السّمك والفحم وحشيش الأغنام، وأحرم نفسي من الطّعام والكساء، لأستأجر دكاكين الورّاقين أقضي اللّيل فيها أقرأ على شمعة، انتقلت الكتب من الرّفوف العطنة إلى داخلي، وغسلتها بدمي، صارت في أعماقي مكتبة هائلة لا يراها أحد حتّى أنا! فجأة في ليلة شتاء باردة عاصفة منحوسة، وعندما شاب رأسي، انهارت كلّها في أعماقي، وقتلتني! صمت فجأة، قلت وأنا الكاتب المبتدئ: ـ وهل يمكن للكتب أن تسقط أو تنهار في أعماقنا؟ قال بلهجة صارمة حازمة: ـ نعم، كلّنا تسقط علينا الكتب في أعماقنا، منّا من يموت تحت وطأتها الثّقيلة، ومنّا من تترك في روحه وقلبه جروحاً وندوباً فيتوقّف متلمّساً قلبه وطريقه! ومنّا من هو كحمار السّوق،لا يشعر بها، فيظلّ سادراً يقتل النّاس بما يتقيّأ من كلمات!  بقينا صامتين ذاهلين.. قال أحد النّسّاخين: ـ ولكن كتب الورّاقين جعلتك تنتج كتبك الّتي لا زالت تنير طريقنا وتمنحنا البهجة والفائدة! ندّت عنه ضحكة حزينة قصيرة: ـ ألا ترى شقاء البشر؟  ألا ترى الخسّة والنذالة والكذب والظّلم والعهر والقسوة؟  ألا ترى الضّلال والتّيه والغباء؟ بماذا أفادت فيهم كتبي ورسائلي،  “الحيوان” والبخلاء  والبيان والتّبيين، والبرصان والعرجان، وخلق القرآن، وفضل السّودان على البيضان، وما لفّ لفّهم؟ كتبي ورسائلي لماذا لم تغيّرهم ، لا بدّ إنّني قصّرت في شيء، ربّما كنت ضالّاً أيضاً! كتبي هذه انهارت فجأة وأسقطتني أرضاً! ـ لا، أبداً، ما كان لك أن تحسّ هكذا، أنت أنرت الطّريق وهناك من يصرّ على العمى! قال بصوت كأنّه يأتي من أعماق الزّمن الطّويل كلّه: ـ لا تُتعِب نفسَك يا ولدي! كثير ممّن ابتلوا بالكتب يأتي يوم تنهار فيه الكتب بأعماقهم فمنهم من يهتدي، ويعترف ،ويهدي النّاس معه، ومنهم من يضلّ طريقه، ويضلّل النّاس معه، أمّا أنا فقد اكتفيت بالموت، هل الموت يكفي؟  قال أحدنا: ــ أنت لم تمت! لا زال وجهك طلقاً باسماً! ـ أنت تجاملني يا ولدي، والموتى أكثر من يتحسّس من المجاملات! خرجت من مجلسه، وأنا أتلمّس قلبي وما تدافع فيه من كتب وأوراق، وأقلام ومحابر، ودموع!

أكمل القراءة »

نتابع لاحقاً..

النّاس جميعاً، وأنا واحدٌ منهم، احتفلوا بقدومِ عامٍ جديدٍ، كلٌّ على طريقتِهِ، مستبشرينَ راجينَ أنْ يحملَ في طيّاته الخيرَ والسّعادةَ والأملَ والسّلامَ…. هنا في غربتي الّتي أعيشها مُكْرَهاً حاولتُ ألّا أعكّرَ صفاءَ الآخرين بما يكتنفني من حزنٍ مزمنٍ على وطنٍ تنهش لحمَه الضّباعُ، وأنْ أختلسَ بعضَ الفرح.. دعواتُ أبي وأمّي …

أكمل القراءة »

كلمات ستيف جوبز الأخيرة

توفّي الملياردير ستيف جوبز، أحد أقطاب الأعمال في الولايات المتّحدة، رئيس مجلس إدارة شركة آبل عن عمر يناهز 56 عامًا عانى جزءاً منها في مصارعة سرطان البنكرياس. وخلّف ثروة قدرها 7 مليارات دولار. وممّا قال خلاصةً لسنيّ حياته: “من وجهة نظري الآن، حياتي هي جوهر النّجاح، لكنّني ليس لدي فرح …

أكمل القراءة »

جائحة كورونا اللّغويّة

ماريانّا ماسّـا – إيطاليا منذ أن اجتاح وباء الفيروس التّاجيّ الكوكب وغيّر إيقاع الحياة فيه، يُسَابق العلماءُ والباحثون الزّمن في محاولة للسيطرة عليه، وتحجيم آثاره الكارثيّة. ولا يتوقّف الأمر على العلماء والباحثين في الطّبّ والبيولوجيا والفيروسات وإنّما يمتدّ لغيرهم من الباحثين في مجالات العلوم الإنسانيّة وعلى رأسهم الباحثون العاملون في …

أكمل القراءة »

إضاءةٌ جديدة على قصَّةِ بني قُريظة ويهود المدينة

دراسة للدكتور وليد نجيب عرفات منشورة في مجلَّة الجمعيّة الملكيّة الآسيويّة في بريطانيا وإيرلندا حولَ قصَّةِ ذبح النَّبيّ الكريم لـ 600-900 يهوديّ من بني القُريظة بعدَ حِصارِ المدينة. ترجمها من الإنكليزيّة للعربيّة عبد المجيد عقيل:  من المعروفِ أنَّهُ عِندَ ظهورِ الإسلام كانت هُناكَ ثلاثةُ قبائلَ يهوديَّة في يَثرِب (الَّتي سُمِّيَت …

أكمل القراءة »

القلب في القرآن والأدب العربيّ: حقيقة أو مجاز؟

الملخص  إن للقرآن الکريم والأدب العربي نظرة شاملة إلی القلب ومترادفاته. هنا يُطرح سوال وهو أن المقصود من القلب في هذه النصوص هل هو القلب الموجود في الصدر أم الغرض منه هو الدماغ؛ واستعمل القلب استعمالا مجازياً؟ في هذا المقال نتعاطی بالموضوع من خلال دراسة الآيات القرآنية ومن منطلق الاکتشافات …

أكمل القراءة »

رواية “زمن الخراب” لمحمود شاهين

الكاتبُ يُعرِّف روايتَه بـ “رواية فكريّة تاريخيّة اجتماعيّة”، وهذا ما يجعلنا نتعاطى مع الرّواية ضمن هذا التّعريف، ومن يتابع الأعمال الرّوائيّة “لمحمود شاهين” سيجدها أعمالاً تتباين مع ما هو سائد، فهو يعتمد على (الرّواية الفكريّة) الّتي يقدّم من خلالها أفكاره ورؤيته عن الحياة والوجود والخلق والخالق، لكنّه يبقى محافظاً وملتزماً …

أكمل القراءة »

الموسيقى.. رؤى وأفكار..

للشعوب سماتٌ وخصائص، ولكلّ شعبٍ طريقتُه في العيش والاستمرار في طريق البناء والسّيرِ في درب الحضارة، ونحن كـ (مجتمع مسلم) له بعض الخصوصيّة في معالجة موضوع الموسيقى وتناوله بالشكل الأمثل……..    على مرّ العصور كان للصوت الأثر الكبير على الإنسان (فلم تُخلق الأذن اعتباطاً، وهي هبةٌ من هبات الرّحمن)، وذاك …

أكمل القراءة »

كيف يقبل العقل أن نطوف حول حجر؟!

يعرف الأطفال هذا الشّعور أكثر من أيّ أحدٍ آخر؛ أن يجبَروا على فعل ما لا يفهمون مغزاه؛ يحتجّون بالصراخ، بالبكاء، برمي أنفسهم إلى الأرض، بتلويح أقدامهم وأيديهم في الهواء، شعورٌ مريرٌ جدًّا أن يكون عليك أن تفعل شيئًا لا تفهم الجدوى منه. العقل أكثر مخلوقات الله غرورًا؛ و”حين وُزِّعت الأرزاق …

أكمل القراءة »