#للحوار:

يعيب المثقّفون الغربيّون على تيّار الإسلام السّياسيّ المتطرّف أنّه يحجّر على العقول، ويقيّد حرّيّة التّعبير، ويلاحق المثقّفين والفنّانين، ويهدّدهم أحيانًا. بل قد يعتدي عليهم جسديًّا كما حصل لفرج فودة ونجيب محفوظ وآخرين عديدين… ويعيبون على الإخوان المسلمين تلك النّزعة التّوتاليتاريّة في تفسيرهم الانغلاقيّ المتزمّت للإسلام الحنيف متجاهلين سماحته ورحمته وشفقته على كلّ مخلوقات الله. وهذا صحيح. ولكنّهم ينسون أو يتناسون أحيانًا ما فعله الإخوان المسيحيّون مع كبار علمائهم وفلاسفتهم إبّان محاكم التّفتيش السّيّئة الذّكر. وبالتالي فليكفّوا عن مهاجمة الإسلام بمناسبة ودون مناسبة، وليكنسوا أمام بيتهم أولًا. ليتذكّروا محاكم التّفتيش الرّهيبة الّتي طالما قمعت العلماء والمفكّرين من كوبرنيكوس، إلى جيوردانو برونو، وغاليليو، وديكارت، ومعظم فلاسفة التّنوير في القرنين السّابع عشر والثّامن عشر، بل حتى التّاسع عشر ومنتصف العشرين فيما يخصّ إسبانيا والبرتغال. للحقّ والإنصاف فإنّ معظم مثقّفي أوربا يعترفون بذلك ما عدا تيّار اليمين المتطرّف أو التّيار الأصوليّ الكاثوليكيّ. وهما متداخلان ومتمايزان في الوقت ذاته.

يجب العلم بأنّ محاكم التّفتيش الّتي ماتت الآن في أوربا بفضل استنارة العقول تحوّلت إلى شيء آخر أو مؤسّسة أخرى. وهي الآن موجودة في الفاتيكان وتدعى باسم: «المجمع المقدّس للحفاظ على صحة العقيدة والإيمان المسيحيّ». صحيح أنّها لم تعد تحرق المفكّرين وكتبهم كما كانت تفعل سابقًا. ولكنّها تراقب أيّ خروج على العقيدة أو أيّ انتهاك لها وتعاقبه عن طريق فصل الأستاذ من عمله أو منعه عن تدريس مادة اللّاهوت المسيحيّ كما فعلت مع عالم اللاهوت الشّهير هانز كونغ مثلا.

لكن لنعد إلى الوراء قليلًا أو كثيرًا. يجب العلم بأنّ محاربة الزّندقة كانت سارية المفعول حتّى قبل ظهور محاكم التّفتيش كمؤسّسة رسميّة في بدايات القرن الثّالث عشر. فقد كان هناك دائمًا أناس يخرجون على هذا المبدأ أو ذاك من العقيدة المسيحيّة. وكانت الكنيسة تعاقبهم بشكل أو بآخر. ويمكن القول بأنّ المجمع الكنسيّ الّذي اجتمع في مدينة لاتران عام (1139م) كان أوّل من بلور التّشريعات البابويّة ضدّ الزّندقة والزّنادقة.

الخروج على الإجماع المسيحيّ

وقد طبّقت هذه التّشريعات على إحدى الفئات المسيحيّة أثناء الحروب الصّليبيّة لأوّل مرّة وهي فئة «الألبيجيين» الّتي اعتبرت بمنزلة الخارجة على الإجماع المسيحيّ، وبالتالي فقد اعتبرت مهرطقة أو زنديقة. وكان الإمبراطور المسيحيّ هو أوّل من فكّر بالحرق كعقاب للزنادقة عام 1224م. وهي عقوبة فظيعة ومرعبة لأنّهم كانوا يشعلون النّار في الحطب، ثم يلقون بالإنسان الزّنديق فيها وهو يزعق ويصيح مذعورًا. ولكم أن تتخيّلوا المشهد إذا كنتم تستطيعون! ثمّ صدّق البابا غريغوار التّاسع على هذا القرار الخاصّ بالمعاقبة على الزّندقة عام 1231م. وأصبح حرق الزّنادقة أمرًا شرعيًّا معترفًا به، بل خلعت عليه القداسة الإلهيّة؛ لأنّ البابا كان يتمتّع بمكانة المعصوميّة المطلقة في نظر جمهور المسيحيّين آنذاك. كان يمثّل ظلّ الله على الأرض. وبالتالي فكلّ ما يأمر به أو يفعله مقدّس ولا رادّ له. وقد كان الهدف من إقامة محاكم التّفتيش هو الدّفاع عن الإيمان المسيحيّ في مذهبه الكاثوليكيّ البابويّ الرّومانيّ. وقد أسّسوها في البداية لمحاربة بعض الفئات المسيحيّة «المارقة» في فرنسا. ثمّ وسّعوها لكي تشمل طوائف أخرى عديدة لا تلتزم كليًّا أو حرفيًّا بالشعائر المسيحيّة الكاثوليكيّة. وأخيرًا وسّعوها لكي تشمل بقايا الوثنيّة الّتي لم تمت بعد في أوربا، وكذلك لكي تشمل كلّ أعمال «الكفر» أو التّجديف: أي ازدراء المقدّسات المسيحيّة أو النّيل منها أو الاستهزاء بها. وبالتالي فالمسيحيّون كانوا تكفيريّين أيضًا قبل أن تتقدّم أوربا وتستنير وتتحضّر.

هكذا كان هدف محاكم التّفتيش في البداية. ولكن كيف كانت تشتغل هذه المحاكم يا ترى؟ كيف كانت تمارس عملها؟ وما هي منهجيّتها في المحاكمة؟ عن هذا السّؤال يمكن أن نجيب بما يلي: بمجرّد أن يشتبهوا في شخص ما أي في إيمانه وعقيدته، كانوا يقبضون عليه ويخضعونه للتحقيق فإذا اعترف بذنبه تركوه، وإذا لم يعترف عذّبوه حتّى يعترف. وإذا أصرّ على موقفه ألقوه طعمة للنيران. وأحيانًا كانوا يصدّقونه ويعدّونه بريئًا من التّهمة الموجّهة إليه فيخلون سبيله. وكانت محاكم التّفتيش مشكَّلة عادة من رجلي دين أو راهبين اثنين ولكن كان يساعدهما أو يحيط بهما أشخاص عديدون لا ينتمون إلى سلك الكهنوت ككاتب العدل أو كاتب المحكمة، وكالسجّان أو حارس السّجن. والشّخص الّذي كان يرفض المثول أمام المحكمة كانوا يكفّرونه فورًا ويخرجونه من الأمّة المسيحيّة. وبالتالي يباح دمه عندئذ ويصبح قتله أمرًا مشروعًا ومن يقتله لا يعاقبه أحد ولا يسائله أصلًا. وكانوا يطلبون من المشتبه فيهم أن يكشفوا للمحكمة عن كلّ ما يعرفونه عن أسرار الزّندقة والزّنادقة. وكان كاتب العدل يسجّل ما يقولونه كمحضر رسميّ. وكان القضاة يلجؤون أحيانًا إلى الوشاة أو الجيران أو حتّى شهود الزّور؛ لكي يحصلوا على معلومات تدين الشّخص المشتبه فيه الّذي يريدون معاقبته بأيّ شكل لأنّه لا يؤدي الشّعائر الدّينيّة كما ينبغي، أو لأنّه لا يؤمن بالعقائد المسيحيّة كلّها بشكل مطلق ودون أيّ تساؤل. وكان يصل الأمر بهم إلى حدّ محاكمة الشّخص حتّى بعد موته! فإذا ما ثبت لهم أنّه مذنب أو خارج على العقيدة المسيحيّة فإنهم كانوا ينبشونه من قبره، ويستخرجون جثّته، ويحرقونها معاقبة له!

وكانت العقوبة من نوعين: خفيفة وثقيلة. فإذا كان الذّنب خفيفًا اكتفوا بتقريع المذنب في الكنيسة والتّشهير به على رؤوس الأشهاد. وأحيانًا كانوا يطالبونه بدفع مبلغ من المال للفقراء بغية التّكفير عن ذنبه. أمّا إذا كان الشّخص الملاحق «زنديقًا حقيقيًّا» فإنّهم كانوا يسجنونه مدى الحياة، وفي الحالات القصوى كانوا يلقونه في المحرقة طعمة للنيران. وقد بلغ التّعذيب ذروته في القرن الثّالث عشر. ففي ذلك الوقت ازدهرت محاكم التّفتيش وانتشرت في شتّى أنحاء المسيحيّة الأوربيّة من إيطاليا، إلى فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا والبرتغال،… إلخ. ففي فرنسا أدّت هذه المحاكم اللّاهوتيّة إلى حرق مناطق بأكملها جنوب البلاد، بالقرب من مدينة تولوز. وهي مناطق كانت مسكونة من قبل طائفة مسيحيّة خارجة على القانون وتدعى: طائفة الكاتاريّين. وكان أتباعها يخلطون العقائد المسيحيّة بعقائد أخرى لا علاقة لها بالمسيحيّة. ولهذا السّبب كفّروهم، وأعلنوا عليهم حربًا صليبيّة لاستئصالهم في الوقت نفسه الّذي وجّهوا الحملات الصّليبية نحو الشّرق الإسلاميّ.

استهداف العدوّ الأقرب قبل الأبعد

وبالتالي فالحروب الصّليبيّة ابتدأت أوّلًا في الدّاخل قبل أن تنتقل إلى الخارج. لقد استهدفت العدوَّ الأقربَ قبل أن تستهدف الأبعد. وهذا شيء يجهله كثيرون. فقد كانت الكنيسة الرّسميّة تعدّ زنادقة الدّاخل بمنزلة طابور خامس يشكّل خطرًا على المسيحيّة أكثر من الإسلام، ولذلك حصلت مجازر كثيرة في تلك المنطقة الفرنسيّة. ولم يستطيعوا التّغلّب على «الزّنادقة» إلّا بعد مقاومة عنيفة وجهد جهيد. وما تزال آثار هذه المجازر حاضرة في الذّاكرة الفرنسيّة الجماعيّة حتّى الآن. نضيف إليها بالطبع الحروب المذهبيّة الكاثوليكيّة – البروتستانتيّة الّتي اجتاحت آنذاك أوربا كلّها وليس فرنسا فقط. وهي تذكرنا بالصراعات المذهبيّة المندلعة حاليًّا في العالم الإسلاميّ للأسف الشّديد. وقد ذهب ضحيّتها عشرات الملايين في فرنسا وألمانيا وإنجلترا،… إلخ، وهي تشكّل صفحة سوداء في تاريخ فرنسا. ولذلك فإنّ السّاسة الفرنسيّين يقولون لك عندما تنشب مشكلة داخليّة عويصة: لا نريد تحويلها إلى حروب دينيّة! والمقصود بذلك أنّهم لا يريدون العودة إلى الانقسامات الطّائفيّة والحروب الأهليّة الّتي مزّقتهم طويلًا في الماضي. وبالتالي فأكثر شيء يرعبهم هو شبح تلك الحروب المذهبيّة الّتي جرت في القرون الثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر والسادس عشر حتّى السّابع عشر. بل لم تنتهِ كلّيًّا إلّا بعد الثّورة الفرنسيّة. إنّهم يريدون أن ينسوا تلك الذّكرى الأليمة لمحاكم التّفتيش والحروب المذهبيّة الّتي تشكّل صفحة أليمة في تاريخهم. وبالتالي فمحاكم التّفتيش والحروب المذهبيّة لم تنتهِ من الذّاكرة الجماعيّة، إنّما ما تزال آثارها عالقة في النّفوس حتّى الآن. وإن كانوا قد تجاوزوها عمليًّا بالطبع.

وبين عامي 1250 – 1257م، أي طيلة سبع سنوات، قاد محاكم التّفتيش في جنوب فرنسا زعيم كاثوليكيّ أصوليّ متعصّب جدًّا يدعى «روبير لوبوغر». وقد فتّش كلّ المدن والأرياف هناك بحثًا عن الزّنادقة أو المزعومين كذلك. وحرق بالنار واحدًا وعشرين شخصًا، وسجن مدى الحياة (239)، ورمى في النّار الكاهن «الزّنديق» زعيم طائفة «الكاتاريّين» المارقة، وحكم على قرية بأكملها بالمحرقة؛ لأنّه اتّهمها بإخفاء أحد الزّنادقة الكبار من رجال الدّين الكاتاريّين. ما الفرق بينه وبين الدّواعش حاليًّا؟ ألا يمكن عدّه داعشيًّا قبل الأوان؟ هكذا نلاحظ أنّ كلّ الأديان يمكن أن تفرز ظاهرة التّعصّب لا دين واحد على عكس ما يزعم كثيرون في الغرب.

دفاع عن المسلمين في فرنسا

أتوقّف هنا لحظة لكي أشيد بموقف آلان جوبيه رئيس وزراء فرنسا سابقًا. فقد اعترف مؤخّرًا بأنّ المذهب المسيحيّ الكاثوليكيّ كان متعصّبًا جدًّا في الماضي، وأنّ التّعصّب ليس حكرًا على دين دون آخر. وكان بذلك يدافع عن الإسلام والمسلمين في فرنسا. وتتّخذ شهادته كلّ أهميّتها إذا ما عرفنا أنّه هو من أصل كاثوليكيّ ويعتزّ بديانته ومذهبه.. أمّا أبشع محاكم التّفتيش في العالم فقد وجدت في إسبانيا الّتي كانت مشهورة بتعصّبها الدّينيّ الكاثوليكيّ. وقد ابتدأت هناك عام 1480م قبيل انتهاء الحروب الّتي أدّت إلى طرد العرب والمسلمين من إسبانيا. وكان على رأسها الملكة إيزابيل الكاثوليكيّة جدًّا، وكذلك زوجها فيردنان. وقد استهدفت محاكم التّفتيش أوّلًا «المسيحيّين الجدد» لمعرفة فيما إذا كانوا قد اعتنقوا المسيحيّة عن جَدّ أم لا. وهؤلاء النّاس كانوا سابقًا إمّا مسلمين وإمّا يهودًا اعتنقوا مذهب الأغلبيّة خوفًا من الاضطهاد والملاحقات. وكان ذلك بعد أن انتصرت الجيوش المسيحيّة على العرب وإنهاء حكم ملوك الطّوائف في الأندلس. وليس من قبيل الصّدفة أن يكون مركز محاكم التّفتيش في إشبيليّة، إحدى عواصم التّنوير الأندلسيّ في سالف الأزمان.. ومن أشهر قادة محاكم التّفتيش ليس فقط في إسبانيا إنّما في العالم كلّه شخص يدعى: توماس توركمادا (1420- 1498م). ومجرّد ذكر اسمه ما يزال يثير القشعريرة في النّفوس حتّى هذه اللّحظة. فقد كان أشهر أصوليّ متزمّت في الغرب المسيحيّ كلّه. وكانت جرأته على القتل والذّبح تفوق الوصف. إنّه أكبر داعشيّ في العصور القديمة. وكان مقرّبًا جدًّا من الملكة إيزابيل الّتي لا تقلّ تعصّبًا عنه.

ولذلك عيَّنوه رئيسًا لمحاكم التّفتيش الإسبانيّة بين عامي 1481 – 1498م: أي طيلة سبعة عشر عامًا! وفي ظل عهده «الميمون»، أطلقت محكمة التّفتيش في طليطلة الأحكام التّالية: حرق عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصًا بالنار، ذبح ستّة آلاف وثمانية وأربعين زنديقًا آخر، تعذيب خمسة وستّين ألفًا ومئتين وواحد وسبعين شخصًا حتّى الموت في السّجون، شنق اثني عشر ألفًا وثلاث مئة وأربعين شخصًا متّهمًا بالزندقة أو بالخروج عن الخطّ المستقيم للدين المسيحيّ (أي المذهب الكاثوليكيّ البابويّ)، الحكم على تسعة عشر ألفًا وسبع مئة وستين شخصًا بالأشغال الشاقّة والسّجن المؤبّد. باختصار فإنّ هذه الأحكام المرعبة شملت ما لا يقلّ عن 114 ألف شخص، ويزيد. وكلّ ذلك حصل في منطقة طليطلة وحدها. فما بالك بما حصل في مختلف مناطق إسبانيا الأخرى؟!

وكلّ هؤلاء الزّنادقة كانوا يجرّدونهم من أملاكهم وأموالهم وأرزاقهم. ولكن «توركمادا» رفض أن يأخذها لنفسه، أو يغتني على حسابها. إنّما ظل رجلًا فقيرًا كأي راهب صغير بعد أن أعطاها الكنيسة أو الجمعيّات الخيريّة المسيحيّة. وهذا يعني أنّه كان متزمتًا حقيقيًّا ومؤمنًا كلّ الإيمان بما يفعل لا شخصًا انتهازيًّا وصوليًّا. كان يعتقد أنّه يتقرّب إلى الله إذ يذبح ويعذّب ويحرق ولكن فاته أنّ الله رحمان رحيم.

التّعصّب‭ ‬يصيب‭ ‬الأديان‭ ‬في‭ ‬حقب‭ ‬الجهل‭ ‬والقلاقل

توقّفت مطوّلًا عند هذه الأحداث التّاريخيّة لا لكي أشنّع بالمسيحيّة أبدًا، إنّما لكي أبيّن أنّ التّعصّب ليس محصورًا بدين ما دون بقيّة الأديان كما يزعم بعض الغربيّين حاليًّا وكما تشيع وسائل إعلامهم عمومًا. إنّما هو يصيب جميع الأديان في حقب الجهل والقلق والقلاقل. والدّليل على ذلك أنّ المسيحيّين تجاوزوها كليًّا في الغرب بعد أن تقدّموا وتطوّروا واستناروا. وهذا يعني أنّه يجب أن نكتب صفحة جديدة في تاريخ الأديان المقارنة أو بالأحرى تاريخ الأصوليّات المقارنة. فلا توجد أصوليّة أفضل من أخرى. كنّا نتمنّى لو أنّ متعصّبي الغرب الحاليّين قد تذكّروا شيئًا من ذلك قبل أن يلصقوا تهمة التّعصّب بالإسلام والمسلمين فقط. كنّا نتمنّى لو أنهّم احترموا الحقيقة والموضوعيّة التّاريخيّة. أقول ذلك بعد أن مررت بعدة عواصم ومدن أوربيّة مؤخّرًا؛ مثل: باريس وبروكسل وجنيف ونيو شاتيل، واطّلعت على مدى هيجان كثيرين وحساسيّتهم بمجرّد ذكر كلمة إسلام أمامهم.

فهم يربطونه فورًا برجم المرأة المخطئة، وقطع يد السّارق، وتكفير المسيحيّين واليهود بشكل أتوماتيكيّ، وتبرير العنف اللّاهوتيّ الّذي يحصد المارّة بشكل عشوائيّ،… إلخ، وينسون أنّ هذه الممارسات قليلة ومحصورة في بعض الفئات المتعصّبة جدًّا؛ مثل: طالبان والقاعدة وداعش وسواها، ولا علاقة لأغلبيّة المسلمين الوسطيّين العقلاء بها. هناك صورة كاريكاتوريّة بل حتّى هلوسيّة شائعة عن الإسلام والمسلمين في الغرب وحتمًا يغذّيها بعض الأوساط المعادية. ولكن لحسن الحظّ فإنّ أغلبيّة المستنيرين الغربيّين يرفضونها. فهؤلاء يعتقدون أنّ المسلمين سائرون على طريق التّقدّم والاستنارة لا محالة، وأنّ المسألة مسألة وقت ليس إلّا. من بين هؤلاء ريجيس دوبريه الّذي صرّح مؤخّرًا قائلًا: يجب أن نكون صبورين مع الإسلام والعالم الإسلاميّ. فالأصوليّة المسيحيّة عارضت أفكار الحداثة والتّقدّم والتّسامح طيلة ثلاث مئة سنة قبل أن تقبل بها مؤخرًا وتتصالح معها. فلماذا لا يُعطى المسلمون المدّة الزّمنيّة الكافية لكي يستطيعوا تحقيق المصالحة التّاريخيّة بين الإسلام والحداثة؟

  • هاشم صالح