في رحابِ النُّور

تلمّظَـــتْ أحـــرفي والشّـــــوقُ يغريهـا

بأنْ تبـــــــــــــــوحَ وما تلقاه يشـــقيهـا

تـــودُّ تَمــدحُ؛ لكـنْ تنثنــي خجـــــــــلاً

عمّـــا تريــــــد وقد فاضــت مآقيهــــــــا

تجيـــــلُ طَـرْفــــــاً عزيزاً منذُ أن ولــدتْ

فلا ترى في أســــــاها من يواســــيهـا

ضاقت بخُطّـابهـــــــا ذرعـــاً وأرهقهـــــا

زيفُ البطولاتِ واســـــــــترخاءُ أهليهـــا

كم راودوهــــــا فردّتهـــــــــم وقد نذَرتْ

صوماً كمريـــمَ واســـــتعصت قوافيهـــا

وأســــــفرَ الصّبـــــحُ فاختالت عرائسُها

لما رأتني لخيــــرِ الخـــــــلقِ أهديهــــا

مُحمّــــــــــداً قلت فاخضلّت ربا شفتي

وأمرعـــت بعــــد ما جفّـت بواديهــــــــا

مُحمّــــــــــــــداً ويمدُّ الحــرفُ قامتَــــه

حتّى يطـــالَ الثّريّــا في أعاليهـــــــــــا

لا تعذُلوا الحـرف إن طــــــارت بلابلُـــــه

على جنــاحٍ خفــــــيٍّ مـن خوافيهــــــا

لا تعذُلوا الحرف فالشمس التي طلعت

قد أذهلتــهُ عن الدّنيــا وما فيهـــــــــــا

فراحَ يصــــــــدح بالألحان يســــــــكُبُها

في مســــمعِ الكون بكراً في معانيهــا

عــــــذراءُ لم يطمث البهتـــان أحرفَهــا

ولم تكنْ ذاتَ أخـــــــــــدانٍ جواريهـــــا

وينسُــــــج الشّــــــــوقَ أبياتاً مضمّخةً

بالعشق في حضرة المختــار يلقيهــــا

هذا مُحمّـــــــدُ من جاء الحيــــــاة وقد

تاهت قوافلهــــــــــــــا وارتاب حاديهــا

جاء الحيـــــــاة وقد عـــمّ الظّـــلام بها

وضـــلّ مرعيُّهـــــا إذ ضلَّ راعيهـــــــــا

فقام يســــــــــــكبُ فيها هديَه قبساً

ليولَـــــــــدَ الفجـــــرُ من حبلى لياليها

هذا مُحمّـد – عفوَ المــــدح – إن قصُرت

عنه حروفي وكـــــــاد النّورُ يعشــــيها

عفـــوَ المقامات شــــــعري لا يطاولها

ولا يطيــــــــــق دنــــــوّاً من معاليهـــا

كــــمْ راوَدتــْنـي عــبارَاتـي وَأَزْجُــرُهَـا

بِقـولِ مـنْ قَــالَ أعــطِ القـوْسَ بــاريها

لــكـنَّها غَــلـبـتْـنِيْ حـيـــنَ لاحَ  لَــهَــا

طــيـفُ الــرّســولِ يُنــاغِـيهَــا ويُغـرِيهَا

فَتمْتَـــطِيْ الــبَحْرَ رَهْـــوَاً عـــلّ يُبلِغُها

كَعْبــــاً لِــــكَعـبٍ وأعيَتْــــها مَــرَامِــيْهَا

ماذا تقول حروفٌ في الثّنـــــــــاء على

من زاده الله تشــــــــــــريفاً و تنزيهـــا

وكيف تمــــــــــدح من فيه قد اكتملت

كلّ المكــــــــــارم يجريهــــــا ويرسيها

بالحلـــــم والجـــــود والإقدام يتحِفُهــا

وبالأمانــــــــة والإيثـــــــــــــار يثريهـــا

ما كان فظّاً غليــــــظ القلب فاجتمعت

له قلوبٌ تمـــــــــادت في تجافيهــــــا

فراح يطعمهـــــــا حبّــــــــــــاً ومرحمةً

ومن مَعِين الإخـــــــــاء العذب يسقيها

وأطلق العلم في ليـــــــل العقول وقد

أودى بها الجهــــــــلُ حتّى كاد يرديها

من قلبِ غارِ حــــــــــــــراءٍ راح يعلنها

(اقرأ) وجبريلُ باســـــــــمِ الله يوحيهـا

أعظِــــــــــــمْ بغارٍ غدا للكون مدرسةً

أساسُـــــــها العلمُ والإيمــــانُ بانيهـا

هذا هو الرّحمةُ العظمى وقد شهدَتْ

له الأعادي فســــــلهمْ عن تساميها

وسَــــــلْ قريشاً غداةَ الفتحِ إذ وقفَتْ

تدورُ أعينُهــــــا من ســـــــوءِ ماضيها

ماذا تظنّـــــــــون أنّي فاعلٌ بكــــــمُ؟

نادى النّبــــــيُّ بقاصيهـــــا ودانيهــــا

أخٌ كريــــــــــــمٌ أجاب القومُ ترهقُهـم

مذلّةٌ قد أظلّتهـــــــــــــمْ مخازيهــــــا

أخٌ كريــــــــــمٌ ويعلو صوتُــــه انطلقـوا

برحمــــــــةٍ من رســــولِ اللهِ يهديهـا

هذي الإضاءاتُ بعضٌ من شــــــمائله

والشّـــــــعرُ مهما تسامى لا يدانيهـا

هو النّبـــيُّ وعُذري عجــــــزُ قافيتـي

لكنَّ ما قلتُ يكفينــــــــي ويكفيهـــــا

  • أحمد جوّاش

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *