صُنْ مفتاحَك..

صُنْ مفتاحَكْ

لا ترهنْ عند الأغرابِ ولا عند التّجّارِ سلاحَكْ

واتركْ وجهَكَ في مرآةِ البيتِ

وإسمكَ في دُرجِ الأسرارِ

وغادرْ ليلاً

خبِّئْ تحت البابِ صباحَكْ..

خُنْ منفاكَ

وكنْ برّاً بأبيكَ النّخلِ

ولا تخفضْ لليأسِ جناحَكْ..

دعْ في البيت حنينَكَ، واذهبْ

فإذا خُيِّلَ أنْ قتلوكَ

فما قتلوكَ، وما صلبوكَ، ولكنْ قد قتلوا أشباحَكْ..

إنْ في الشّامِ وإنْ في القدسِ، الموتُ غزيرٌ

لُذْ بالظلِّ النّابتِ تحت شبابيكِ التّاريخِ

وضمّدْ بالأحلامِ جراحَكْ..

عُدْ للبيتِ ولو من بين شقوقِ الوهمِ

وكررْ نفسَكَ

اِزرعْ عمرَكَ في كلّ خلايا الجدرانِ

استنسخْ أمّكَ وهي تشقُّ جيوبَ اللّيلِ

لتغزلَ من فَرَجٍ مصباحَكْ..

واصلْ نبضَكَ

واصنعْ فُلكَكَ في عينيكَ

وأطلقْ قلبَكَ

واحلمْ واحلمْ

لا تكبحْ في الحلمِ جِماحَكْ..

     ياسر الأطرش

 

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *