الرئيسية / على ناصية قلب (نصوص وكتابات) / سَيِّدَةُ الحُزْنِ الجَمِيل..

سَيِّدَةُ الحُزْنِ الجَمِيل..

أنا يا ســـــيّدي امـرأةٌ    تعلَّمَتِ ارتـداءَ الصَّبـرْ
تُرمِّــــمُ صَـدْعَ دفترها   وتنقُشُ همهماتِ الحِبرْ
بريقُ الضَّــــوءِ أعْيُنُها   ملامحُها قصيــدةُ شِعْر
تُوزِّعُ حكمة َ القدِّيس…. في أعتَىَ فصولِ القهـر
تُخيِّطُ ثـوب طِفْلِتهـــــا    وتُشـــــعِلُ قلبَها للقِـدْر
ترى الأيامَ عصفـــوراً    تبلّـل في ميــــاه العُمْر

أنا امـــــرأة ٌ يُعذ ِّبُنــــي   بكاءُ الطفل في شَجَن ِ
ويأسِرُني النّدى المذبوحُ.. لو مـرَّتْ به مُـــــدني
ويذْبُلُ وردُ أنفاســـــــــي  إذا ما ضمَّني حَــزَني
طرْبتُ؛ فخانني زمنـــي وطيفُ الحُـبِّ خادَعَني
فصادقتُ اعتمال الجَلــدِ.. والجـلّادِ في بـــــدني

أنا امــــرأةٌ تشمُّ عبيرَ… واحِدِها إذا رَحَــــــــلا
تُلامسُ نبضَهُ بالرُّوحِ    ترفضُ عنـــده الجَــدَلا
تُخطِّطُ حاجبيهـــا كيْ    يكــــونَ البـدْرُ مُكتحلا
تُحبِّكُ ثوبَ فِتْنَتِهــــــا    لكيْ تســـــــتقبل َالبطلا
أنا امرأةُ العـذابِ المُرِّ   حين حَسِــبْتهُ عَسَـــــلا

أنا اللّصّ الّذي ســـرق ابتســــامة فجــريَ الدَّامي
وأحْرَقَ ما بداخلهـــــا    رمـــاداً صـــــار قُدَّامي
وبَعْثرهُ بريـــح ِ العُمْرِ    ضاعتْ نصـــف أيَّامي
وحنَّــــط نصفَهَا الثّاني    وسَـــــــــــرْبلَهُ بآلامي
وضلَّلْتُ الّذين أتــــــوا    لحفل طقوسِ إعــدامي

أنا امرأة ٌيراني النّاسُ…. ســــــــــيِّدةَ الأحايينِ
تصَعْلكَ طفْليَ الفنّــانُ     في شـــتَّى مضاميني
فقابلَ صُدُفــــة ً مِحَنِي    تمزِّقنـي، وتُضنينـــي
تحمَّّمَ في دُخانِ الحُزْن… صاحَبَ علّتي دونــي
وفضَّلَ أنْ يُراقَبنـــــي    وكأسُ المرِّ تســـقيني

أنا امـــــــــرأةٌ يعاتبُها    النّهارُ كطفــلة ٍصَبأتْ
تحمَّلَ حُزْنــــــها زمنًا    فما رجعتْ ولا هدأتْ
أتى بالفرحة البُشْــرى    فما أنْهَــتْ ولا بـدأتْ
تمادتْ فـي خطيئتهـــا    وفي أنَّاتهـا اختبـــأتْ
فســــارتْ مثلَ عميـاءٍ    تَعَثَّرُ حيثمــــا وَطِئتْ

أنا امرأة ٌ معلّقــــــــــةٌ   كأنِّي الثّوبُ في المِشْجَبْ
حملتُ همومَ َأوطـــاني  فما أشــــــقى وما أصعبْ
يحارُ النّاس في أمـري   فدرْبي شـــــــائكٌ مجدبْ
كنايٍ أخْرسٍ جســـدي   يســــــــيرُ بقلبيَ المُتْعَبْ
فهلْ ســيظلُّ ذا قدَري   يؤرِّقني المــدى الأرحَبْ؟!

أنا امرأةُ القصيدِ البكـرِ… مُنْفرطــاً ومــــوزونا
حملتُ الشّعرَ في جنْبيَّ… فتّانـــــــــاً ومفتــــونا
فحوَّلني كطَمْيِ النّيــــلِ… بالألــــوان معجـــونا
طمعتُ بكلِّ أَســْـــــوَدِهِ    فبتّ العُمْـــرَ مطعونا
ولمْ يك ُغير هذا اللّـون… في الألوان مضمـونا

أنا يا ســــــــــيِّدي لُغـةٌ     تغلْغَلَ صمتُـهـا فيها
برغم فصاحةِ الأغصانِ    حتّى كــاد يُخفيــــها
فمقصلة الزّمــانِ قضتْ     بأن تُسْــتلَّ مِن فِيها
فما عاد الحديثُ العـذبُ     يُضنيهــا ويَشـــفيها
ومَنْ لعِب َالزّمانُ بهـــا     فإنّ الصّمـتَ يكفيها

الشّاعرة شريفة السّيّد – مصر

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *