الرئيسية / على ناصية قلب (نصوص وكتابات) / الموسيقى.. رؤى وأفكار..

الموسيقى.. رؤى وأفكار..

للشعوب سماتٌ وخصائص، ولكلّ شعبٍ طريقتُه في العيش والاستمرار في طريق البناء والسّيرِ في درب الحضارة، ونحن كـ (مجتمع مسلم) له بعض الخصوصيّة في معالجة موضوع الموسيقى وتناوله بالشكل الأمثل……..   

على مرّ العصور كان للصوت الأثر الكبير على الإنسان (فلم تُخلق الأذن اعتباطاً، وهي هبةٌ من هبات الرّحمن)، وذاك لا يخفى على أيّ ذي بصر وبصيرة..

وبرغم أنّي أتحدّث عن الموسيقى فإنّي لا أزيد على ما كُتِبَ فيها ويُكتب؛ إلّا أنّ لي بعض التّصنيفات الّتي أتمنّى أن تكون ذات فائدة عميمة ( ولا أفرضها على أحدٍ إنّما أشرحها):

1- الموسيقى التّربويّة التّثقيفيّة.

2- الموسيقى المجتمعيّة التّحفيزيّة الهادفة.

3- الموسيقى التّرفيهيّة التّثقيفيّة للمجتمع النّاشئ.

4- الموسيقى ذات العلاقة بالدين.

*   *   *

أوّلاً- الموسيقى التّربويّة التّثقيفيّة (وهي الّتي تواكب بدايات التّكوين الجسديّ للطفل):

نعلم جميعاً أنّ الوليد بحاجة إلى المناغاة (اغ اغ اغ)، ومن يراقب أيّ أمٍّ تناغي وليدها في كلّ حالاته يجد أنّ تلك المناغاة تأخذ منحىً موسيقيّاً واضحاً بيّناً… (الحديث فيها يطول رغم أنّه معروف لكلّ واحد منّا)، وإن كان على شِدّات متغيّرة متنوّعة..

ثانياً- الموسيقى المجتمعيّة التّحفيزيّة ( الأناشيد التّعليميّة والوطنيّة):

لا يخفى علينا أنّ للأناشيد الوطنيّة الأثر البالغ في عمليّة التّعليم المدرسيّ كالأغاني البسيطة لتعلّم العادات السّليمة في حياة الأطفال ( كالنظافة الشّخصيّة والعامّة والتّعامل البينيّ للأطفال، ابتداء من رياضهم، مروراً بالمراحل التّعليميّة المتعدّدة، وصولاً إلى المراحل العليا، ولا ننسى الأناشيد الوطنيّة الّتي تحفّز همم الجنود والشّعوب المدنيّة منها على الدّفاع عن الوطن والذّود عن حماه..

ثالثاً- الموسيقى التّرفيهيّة للمجتمع النّاشئ (كالحفلات البسيطة للأطفال والشّباب النّاشئ):

 خلال مرور الطّفل في المراحل التّعليميّة والمجتمعيّة المذكورة آنفاً تقام الحفلات التّرفيهيّة البسيطة وحتّى المتخصّصة منها، إذ لا بدّ للأطفال من أن يمتلكوا مهاراتٍ موسيقيّةً متنوّعةً ومتعدّدةً من عزف وغناء وأداء جماعيّ، ما يسمى ( الكورال) وكلّنا يعرفه.

رابعاً- الموسيقى ذات العلاقة بالدين (وإن كثر اللّغط وسوء الفهم فيها):

هنا العقدة لو سمحتم لي:

ابتداء من الأذان: كم سيكون جميلاً ولطيفاً ذاك النّداء الإلهيّ للإنسان إنْ أُدِّيَ بصوتٍ فيه أناقةٌ ورِقّةٌ… نسمع ارتداد الآراء عن أنّ ( هناك مؤذّناً في جامع فلان…. ماشاء الله على صوته ما أجمله! ( وهنا كلمة صوته تتضمّن اللّحن الّذي يُؤدّى فيه ذاك الأذان وإنْ لم ينتبه القائل لذلك)… وكثيرةٌ هنا أيضاً الآراء إنْ إيجاباً أو سلباً (على نحو ما ) لكنّ الأذنَ السّليمةَ لا تُخطئ اللّحنَ الموسيقيَّ الّذي يشكّل إخراج الكلام النّدائيّ لله عزّ وجلّ…. فإن كانت كلمات الأذان (العظم) كان اللّحن هو (اللّحمُ) الّذي يُظهِر ذاك الشّكل الجماليّ لذاك الكلام الإلهيّ..

ولنسر مع ما يخصّ الطّفل في المدارس من النّاحية الموسيقيّة:

لنبداً من دور الحضانة فإنّ إسماع الأطفال بعض المواد ملحّنةً بموسيقى بسيطة تجعل أذهانهم طيّعةً لتلقّي تلك العلومِ.. والتّجاربُ أثبتت صحّةَ هذا القول…. والكلام أيضاً هنا كثير كثير…….

في المرحلة الابتدائيّة نبدأ بالارتقاء بالطفل موسيقيّاً من حيث التّركيبات اللّحنيّة؛ إذْ تصبح الأناشيدُ أكثرَ تقانةً وليس أكثر تعقيداً.. المعنى واضح كما أظنّ……..

في المرحلة الإعداديّة نبدأ بإفهام الطّفل ما كان يؤدّيه من ألحان، ابتداء من المراحل الأولى حيث أنّ عقله نما وكبر ويستطيع أن يؤدّي الألحان صولفيجيّاً، أي نطق اللّحن بعلاماته الموسيقيّة والإيقاعيّة.. ويتعرّف على النّوتة الموسيقيّة وبعض المقامات ( وقد كان لي تجربة حيّة في هذا حيث وكِّلتُ لمدّة أربعة أشهر بدل معلّمة الموسيقى في إحدى إعداديات مدينتي ) وحين عادت المعلّمة كانت التّلميذات قادرات على قراءة النّوتات المتوسّطة والصّولفيج بحيث قالت لهنّ المعلمة صراحة في أوّل لقاء لها معهنّ: “قد ذكّرتموني بدراسة المعهد الموسيقيّ”..

حين نصل بالمتعلّم إلى هذه المرحلة من التّعليم الموسيقيّ فسيكون قادراً على أداء ما يقدّم له من أناشيد وأغانٍ ترفيهيّة وتعليميّة، وحتّى بعض التأّليف الموسيقيّ الآليّ أو اللّحنيّ الغنائيّ.. من ضمنها الأناشيد الدّينيّة على تنوّعها فنحصل بالنتيجة على كوادر واعيةٍ لما تقول وما تنشد، وما أجمل تلك الأجواء المفعمة باللطف والرّقّة حين يعرف المنشدُ ويعي ما يقول وما يؤدّي للمستمع….

أخيراً:

للموضوع إضافات وإضافات.. أتمنّى أن أكون قد وضعتُ خطوطاً بيانيّة واضحةً لمسألة الموسيقى وقضيّة تعليمها وتعلّمها.. 

صائب عقيل

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *