تحت سماء تمطر رُعباً

ندى عادلة تكتب:

وطني

اكتفيتُ من قصائدِ الخليل، ومن شيخوخةِ الشّعر.. 
من عوالم المنفى.. من فساد الملوك.. 
من هذيان الطّوائف وخياناتها للربّ.. 
اكتفيت من غبار الحرب، اكتفيت من ضجيج الصّمت.. 
فقط؛ لم اكتفِ منك.. 
أتكسر شظايا على وجع بَوحِك، أذوب في أخاديد شفاهك.. 
أنا الشاهد الحيّ على تعرّي كريّات دمك.. 
على أنين نسغك.. 
الأرض تحتاج لمصلٍ منك، لسحاب يرتمي على الأرض، ويعانق منها أدقَّ التّفاصيل.. 
حين تهدّم بيتي لجأتُ إلى عينيك.. 
حين داهمني الخوف هرولت إليك.. 
ليس في الكتاب آية أجمل منك أرتّلها كلَّ صباح ومساء 

                                     * * *

تحت سماء تمطر رُعباً

كيف لي أن أراك خارجَ البلد (وأنت حِلٌّ بهذا البلد)؟! 
بين شتاءين أعبر الضّفّةَ بصعوبة، 
أمسحُ عن ذاكرتِكَ الغبار، 
أهيم على وجهي وآتيكَ تيهاً.. 
دَعْ أصابعَكَ حُرّةً تقطف الكرز والعنب.. 
لا تُعوِّلْ على الضّاد والصّاد ولا على ثمود وعاد.. 
حَوِّلْ أسماءَ الخيبةِ إلى أفعال.. 
تأبّط خيراً في أغوار الفكر.. 
أيّتها البذرة الباقية في عُري هذا الزّمن.. 
امرأة العزيز هي نفسها لازالت عاشقةً على الحدود، تتابع الوجودَ بشغف، لا تهيم بفرعون، تجلس وحيدة والذّئاب من حول مشيمتها نمور ضارية.. 
تعيد الطّهر لكآبة هذا العصر عبر تسنُّمها ذروة الضّوء، بل عبر رعدٍ ضلّ مسارَه.. 
الطّريق طويل لانهائيّ، ومعك وحدك يستقيم المعنى ولوكنت أبعد من زحل.. 
لم أغادرك يوماً، أرسمكَ حتّى وأنت تخدش ورقي بأظافرك.. 
أزرعكَ في يباس حروفي فيَسَّاقط الخير .. 
وأتكوّر عليكَ باقةَ حبقٍ من الفزع.. 
أهدهد خوفي بطمأنينة سلامِك.. 
هنيهة؛ وأعود شهيدةً، لأحياك ثانيةً بعد فكِّ رموزِ تاريخِك وطلاسمِ أروقةِ ثورتك المعلّقة بفيوضات الكفر والإيمان.. 
هنيهة؛ وأعود صاعقةً، لأدفن الحيتان المعلّبة، وأحرّر الأحلامَ من حصارها.. 
لأقوم بتعرية الوقت، ولأعترف بمقتل اليمام والحمام والإمام.. 
هنيهة؛ وأعود كليلى ولبنى وعزّة وندى، وأسحق تاريخاً من الحروب والرّماد.. 
هنيهة؛ وأعود رغماً عنكَ يا وطني..

                                          ***

 

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

الجاحظ وكتبه.. قصّة قصيرة

 إبراهيم أحمد بعد أن انتشر في المدينة خبرُ سقوط الكتب على الجاحظ وملازمته الفراش، قلقنا عليه كثيراً، وجدتني مع خمسة من النّسّاخين والورّاقين نزوره عصراً، في بيته البسيط المبنيّ من الحجر والطّين في ضاحية من البصرة، قريباً من شطّ العرب. كان من حسن حظي أنّني استطعت أن أجلس بجانبه في بيته البسيط الّذي ليس فيه من أثاث سوى فرش بسيطة رثّة ممدودة على الأرض، ومنضدة خشبيّة حائلة اللّون عليها إبريق ماء، وكؤوس صغيرة من الفخّار! كان بثياب بيض فضفاضة،وعمامة بيضاء مذهّبة نظيفة،وقد بانت من تحتها شعيرات شائبة، أنارت وجهه الدّاكن الأقرب للسواد، كان قد قارب المائة عام، استهلك خلالها اثني عشر خليفة عباسيّاً، كلّهم ماتوا ونسوا،بينما بقي هو الكاتب المعلّى!  كلّ من معي كان يقول: ـ  حمداً لله على سلامتك. أحدهم قال: ـ هذه الكتب الجاحدة؛ سقطت عليك وأنت صانعها! ابتسم الجاحظ  قائلاً: ـ  لا، هذه الكتب الورقيّة سقطت عليّ، ولم تؤذني، ما سقط عليّ وآذني كتب أخرى! وسط دهشتنا جميعاً، قلتُ: ـ كيف؟ لم أفهم يا سيّدي! ـ الكتب الّتي في داخلي هي الّتي سقطت فوق رأسي! دهشت ،أكثر، بقيت أتطلّع إلى وجهه الّذي يقولون إنّه دميم؛ بينما أنا أراه من أكثر وجوه النّاس لطفاً وبشاشةً؛أريد منه أن يقول المزيد، فحديثه متعة للقلب حتّى لو كان حزيناً! رفع صوته ليسمع الآخرين معي: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *