الرئيسية / للحوار / هل يصحّ أن يكون (الإجماع) هو المصدر الثّالث للتشريع؟

هل يصحّ أن يكون (الإجماع) هو المصدر الثّالث للتشريع؟

كتب الدّكتور عارف دليلة:

توطئة:

الإجماع: حجّة ملزمة أم مغالطة فقهيّة كبرى؟

العنوان أعلاه هو دراسة جديدة قيّمة للباحث علاء الدّين الخطيب. ونظراً لأهمّيّة الموضوع فلقد حرّضني، مشكوراً، للإدلاء برأيي، دون أن يكون هناك اختلاف جوهريّ مع أطروحة الباحث الأساس، وهي، حسب ما تبيّن لي، أنّ “الإجماع” لايصحّ أن يكون “المصدر الثّالث للتشريع”، للأسباب المهمّة المبيّنة في متن البحث.

_______________________________________________________________

إن القول بـ “إجماع الأمة” أو “إجماع العلماء”، واعتباره “المصدر الثالث للتشريع” لاينسجم ولا يتوافق مع الإرادة الإلهية بأنه لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، ولكنه هو الذي شاء أن يكونوا مختلفين!

ثم، أليس “اختلاف بني أمتي رحمة”؟ فكيف يجوز القول بعد ذلك بأن “الإجماع” هو مصدر (ثالث!) للتشريع؟

حتى المثل الشعبي يقول (إنّ الخلاف لايفسد للود قضية). فليست المشكلة في الاختلاف، ولا في الخلاف، وإنما في الاعتراف بالآخر، أي بحق الآخر في الاختلاف.

وكما يقول الإمام الشافعي: رأيي صواب حتى يثبت خطؤه، ورأيك خطأ حتى يثبت صوابه!

القضية هي وجوب الالتزام بالأسلوب السلمي في الجدال.

ومشهورة قولة شاعر الحرية الفرنسي فولتير: إني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في الدفاع عن رأيك الذي يخالف رأيي! إن الواقع هو الذي يحكم في النهاية في الخلاف، ويرجح هذا على ذاك!

لقد بقيت الصين من أفقر دول العالم تحت حكم القائد ماوتسي تونغ الذي حررها من أسوأ أشكال الاستعباد والإذلال من قبل الاستعماريين الغربيين الذين كانوا قد أغرقوا أهلها في الإدمان على الحشيش بالتعاون مع أباطرتها الأذلاء، ولكن ماو أصبح بعد التحرير أواخر الأربعينيات الماضية، وبالأخص بما فرضه على الشعب الصيني من “ثورة ثقافية ” منذ أواسط الخمسينات وحتى توفي، القوة المانعة لتطور الصين، بما فرضه علي شعبها من خضوع للقاعدة الفلسفية القائلة “النظرية – أقوال ماو – هي المصدر الأول للحقيقة”، حتى جاء خليفته الذي أطلق الإصلاح في الصين عام ١٩٧٨ دينغ سياو بنغ، بدءاً بقلب القاعدة الفلسفية رأساً على عقب، لتصبح: “الواقع هو المصدر الأول للحقيقة”، لتنتقل الصين بعد أربعين عاماً عاشتها في الفقر الشديد وغذاؤها العقلي والجسدي هو كلام ماو، وخلال الأربعين عاماً الأخيرة، إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم ولتنافس على المركز الأول الولايات المتحدة، ناهبة العالم بالورق الأخضر والقوة الغشماء على مدى أكثر من ثلاثة أرباع القرن منذ الحرب العالمية الثانية، فتصبح الصين الآن الدائن الأكبر لها!

أما الأمة العربية فإنها مصرة ومنذ أكثر من عشرة قرون على أن “تنافس” أمم العالم جميعاً على احتلال قاع السلم البشري بالتمسك بقاعدة أن الأفكار المناقضة للعلم والوقائع والعقل، والتي يطغى عليها المنحول والمفصل على المصلحة الدنيوية الشخصية المبتذلة للطغاة المتعسفين الفاسدين، هي المصدر الوحيد للحقيقة، مهما خالفت العلم والعقل!

فالحقيقة في أمة “اقرأ” تصر على أن “الشمس هي التي تدور حول الأرض المستقرة”، وهو ما كان العالم الإيطالي غاليليه، قبل أكثر من خمسمئة عام، قدأثبت خطأه بالعين المجردة عبر المنظار الذي اخترعه، وتعرض بسبب اكتشافه هذا للحقيقة إلى تعذيب لايحتمل من قبل “إجماع علماء الأمة”، حتى عجز عن مقاومة إرهاب الكنيسة، وتراجع عن الحقيقة الدامغة واعترف لهم بما يخدم مصلحتهم الفاسدة المستقرة، بأن أرضهم هي الثابتة وهي مركز الكون، تماماً، كما كانوا آنذاك يؤمنون جهلاً، ويريدون، فساداً وطغياناً على العامة المضطهدين المعذبين!

ولكن غاليليه، وبعد أن أعلن استسلامه، وهو على مشارف الهلاك، قال وبصوت خافت كلمته الأخيرة: ومع ذلك ستبقى الأرض هي التي تدور!.

وبشعار: “الواقع – المثبت علمياً – وليس (الإجماع) المبني على مايخالف العلم والعقل، هو المصدر الأول للحقيقة”.

 تحررت الصين من فقرها وتخلفها، بينما طغاة أمتنا المتحالفين مصلحياً، سياسياً واقتصادياً وفكرياً، ضد شعوبهم، يصرون، وبـ “إجماع ” مزعوم، خلافا للحقيقة والعلم والواقع، على أن الشمس هي التي تدور حولهم، هم، مركز الكون، الثابتون المخلدون أبداً، متنكرين بكل فجاجة للتوجيه الأسمى لنبي الأمة ” اطلب العلم ولو في الصين”!

ولست بحاجة إلى التأكيد، أخيراً، بأنني لست من هواة الفرقة والاختلاف ومن أعداء التآلف والاجماع والتوافق؛ بل على العكس من ذلك، لو كانت المسألة قضية تفضيل واختيار ذاتي.

إلا أن الشيء الطبيعي هو الاختلاف، بينما الشيء غير الطبيعي هو انعدام الاختلاف، وهو ما يشتهي المتخلفون والفاسدون والديكتاتوريون فرضه والتظاهر والتفاخر به دائماً.

إنما تكمن المشكلة في كيفية ممارسة هذا أو ذاك على الأرض: بهمجية أم بطريقة حضارية؟ بما يخلد الانحطاط والتخلف أم بما يفتح الطريق للتقدم الحضاري والارتقاء الإنساني؟

وعلى هذا، فإن الإجماع الكاذب المصطنع القسري المخالف للطبيعة هو أساس التخلف والانحطاط والقمع والديكتاتورية، بينما الاختلاف السلمي الحضاري هو الحرية!

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

جائحة كورونا اللّغويّة

ماريانّا ماسّـا – إيطاليا منذ أن اجتاح وباء الفيروس التّاجيّ الكوكب وغيّر إيقاع الحياة فيه، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *