الرئيسية / للحوار / الحرب العلمانيّة..

الحرب العلمانيّة..

د. عماد الدّين الرّشيد

الحربُ الوحيدةُ الّتي انتصر فيها الغربُ على المسلمين هي الحربُ العلمانيّةُ.. وهي أطول وأعنف من كلّ حروبه، بما فيها الحروب الّتي يصرّون على تسميتها بالصليبيّة..

في الحرب العلمانيّة المستعرة منذ 3 قرون تحوّل قريبٌ من ربع المسلمين إلى علمانيّينَ كثيرٌ منهم يحارب الإسلامَ.. بينما لم يتحوّل من المسلمين في أحسن الأحوال إلى النّصرانيّة خلال الحروب الصّليبيّة سوى أفراد..

أرى أنّ العلمانيّةَ بمعنييها المرفوضين لدينا: اللّادينيّة، أو فصل الدّين عن الحياة، قد صار لها قوّةٌ ذاتيّةٌ، أو لنقل داخليّة، عبر سنوات هيمنتها الطّويلة..

لقد تمكّنت العلمانيّةُ اليوم من أن تكون نظامَ حياةٍ له مفرداتٌ معرفيّةٌ وله منهجيّةٌ خاصّةٌ به.. قد تكون المفرداتُ المعرفيّةُ بعيدةً بعض الشّيء عن عامّة النّاس.. أمّا بعدُها المنهجيُّ فقد تسلّل إلى عقولِ المسلمين عموماً.. حتّى الشّرعيّين.. فصارت أساليبُ تفكيرهم مصطبغةً بالأطر العلمانيّة، سواء أدركوا أو لم يدركوا..

إنّ خطر التّغيير المنهجيّ أكبر من المعرفيّ؛ لأنّه يتسلّل خلسة ولا يظهر أثره مباشرة.. ولا يخفى أنّ الإسلامَ شريعةٌ ومنهجٌ (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً).. فإذا استغلقت الشّريعة على العلمانيّة فقد نجحت العلمانيّة في النّفوذ إلى المنهج واحتلال مساحة واسعة منه في حياة المسلمين.

وليست القضيّة أنّ العلمانيّة تفرض فرضاً؛ بل أنّ الغرب العلمانيّ سوّق فكرَه بدقّةٍ وصبرٍ أكثر مما نتصوّر.. بينما نحن كنّا نتكلّم عن السّياج الدّاخليّ الّذي تبيّن أنّه هشٌّ أو منهارٌ أمام زخم العلمانيّة ومفرزاتها التّكنولوجيّة.. وصار البعض يتكلّم عن إمكانيّة انهيار داخليّ للعلمانيّة، ويذكر كَمَّاً غير يسير من المسوّغات..

قد لا يكون دقيقاً أن نعتمد على توقّع أن تنهار العلمانيّة من الدّاخل.. لا بدّ من جهد فكريّ صحيح يقوم به المسلمون..

مشكلتنا أنّ عقليّة الدّفع والإحلال مع أهميّتها هي الغالبة علينا.. أمّا الفعل والطّلب.. والإخلاء والإبدال فلا نضعه في برامجنا.. فقط نفكّر كيف نحمي أنفسنا منهم بوصفهم قدراً.. وكيف نملأ الفراغ اذا ماتوا أو انقرضوا.. ونحصّن هذه الرّؤية بمزيد من مواساة أنفسنا بأنّنا نملك تفوّقاً معنويّاً.

أذكر أنّني حضرت لقاء حافلاً عام 93 في نقابة الأطباء في القاهرة حضره الشّيخ الغزاليّ وعبد الوهاب المسيريّ رحمهما الله تعالى. … وكان تضامنيّاً مع انتفاضة فلسطين.. فتكلّم المسيريّ عن الأثر المعنويّ الشّديد للحجارة الّتي يرميها أطفال فلسطين على اليهود وكأنّهم زناة يرجمهم النّاس.. وهذا الكلام أعجبنا كثيراً وصفّقنا له وكبرّنا كثيراً.. لكنْ حين جاء دور الغزاليّ قال” اتركني من الكلام العاطفيّ ده.. نحن نحتاج إلى صواريخ وأسلحة وليس إلى حجارة.. تلك هي القوّة ..

وبرأيي أنّنا لا نحتاج أن نواسي أنفسنا بمثل ما قال المسيريّ.. نحتاج أن نرى الأمور بلونها الطّبيعيّ.. ولن نخاف أبداً فإنّ الله معنا..

(كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)..

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

جائحة كورونا اللّغويّة

ماريانّا ماسّـا – إيطاليا منذ أن اجتاح وباء الفيروس التّاجيّ الكوكب وغيّر إيقاع الحياة فيه، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *