الرئيسية / للحوار / هل يسبق الأقوام لغاتهم، أم أنّ اللغات تسبق أقوامها في الظّهور؟

هل يسبق الأقوام لغاتهم، أم أنّ اللغات تسبق أقوامها في الظّهور؟

هل يسبق الأقوام لغاتهم، أم أنّ اللغات تسبق أقوامها في الظّهور؟
بمعنى آخر: هل أنّ اللّغة العربيّة سُمّيت بذلك نسبةً إلى وجود العرب الّذين تكلّموها بِدءاً أم أنّ العرب هم كلّ مَن يتكلّم العربيّة؟!.
معكوسُ هذا السّؤال يقودنا إلى سؤال آخر أكثر أهمّيّةً، وهو:
هل وجود لغةٍ ما، يدلّ بالضرورة على وجود قومٍ ما؟
وسواء كان الجواب بالنفي أم بالإثبات – مع أنّ النّفي هو الإجابة المنطقيّة، لأنّ الإثبات يحتاج لقرائن داعمة – فإنّنا سنتجاوزه لطرح سؤال نعتقده أهمّ قليلاً: هل يدلّ وجود كتابةٍ ما على وجود لغةٍ ما بالضرورة، وبالتالي وجود قوم ما؟.
لعلّ اللّغة باختصار شديد ومُبسَّط هي ما يُنطق وما يُكتب (الصّوت والصّورة)، فاللّغة الفرنسيّة مثلاً تعني النّطق الفرنسيّ والكتابة الفرنسيّة. ومعلوم أنّ الكتابة متأخّرة زمنيّاً عن النّطق، وهذا يُلقي على كاهلها أن تنهض بعبء النّطق (أي أنّها صورة الصّوت)، ولكن هل يمكنها أن تفعل ذلك فعلاً؟
الجواب: أبداً، فالكتابة ليست أكثر من رموز ونقوش أو قل شخبطات مجرّدة خالية من الصّوت ومن المعنى أيضاً، لذلك حين نقرأ كلمة جديدة تصادفنا لأوّل مرّة، نُخفق في نطقها ولن نعرف معناها، لأنّ علاقة الكلمات بالأصوات والمعاني هي علاقة ذهنيّة اتفاقيّة تتعلّق بفهم اتُّفق عليه مُسبقاً وترسّخ في الأذهان.
ما يعنيني الآن هو اكتشاف نماذج الكتابات القديمة في الكهوف أو على ألواح الطّين والحجر أو رقوق البرديّ والجلد وما شابه، فعندما يجد أيّ شخص نقشاً ما، فعليه أن يجيب عن الأسئلة التّالية إذا ما حاول فهم ماهيّة هذا النّقش على وجه الدّقّة والحقيقة:
1- هل هذا النّقش كتابة أم رسومات ورموز؟ ربّما يكون مجرّد خربشة عبثيّة؟
2- كيف له أن يحدّد اسم هذه الكتابة؟ على فرض أنّه كتابة؟
3- كيف له أن يحدّد حروف وكلمات هذه الكتابة؟
4- كيف له أن يحدّد معاني الكلمات؟
5- كيف له أن يحدّد آليّة نطق أصوات الحروف والكلمات؟
6- هل بالضرورة هناك لغة تختصّ بهذه الكتابة؟
7- هل بالضرورة هناك قوم يختصّون بهذه اللّغة؟
تبدو إجابات كلّ الأسئلة السّابقة مستحيلة، أو شبه مستحيلة في أحسن الأحوال، ولا تعدو كونها محض افتراضات لها ما لها وعليها ما عليها.
على سبيل الفرض، لو أنّك دخلت إلى كهف قديم، ورأيت هذا النّقش على أحد جدرانه:
ომთავრული, ნუსხური, მხედრულ
فكيف لك أن تجزم بأن هذا النقش كتابة؟ وهل ستفهم معناه؟ أو تتمكن من قراءته؟
وكيف لك أن تعرف اسم هذه الكتابة؟ أو أن تحدّد حروفها وكلماتها؟
وأيّةَ لغة تكتب هكذا؟ وهل لهذه اللّغة قوم يتكلّمون بها؟
وهذا تماماً ما حدث مع أغلب النّقوش المكتشفة، فحين عُثر على أحدها في كهف قديم، اُفترض أنّه كتابة اعتماداً على النّمط، ثمّ اقترح أحدهم تسمية هذه الكتابة بالمسماريّة لأنّها تشبه المسامير. وإلى اليوم لا يُعرف نطق أصوات هذه الكتابة، أمّا حروفها وكلماتها ومقاطعها فعليها خلاف كبير، ولا يوجد شيء قطعيّ بخصوص معاني هذه الكتابة.
بقي سؤالان هما مثار الجدل والأساطير والتّأريخ الموهوم، وهما:
هل لهذه الكتابة لغة وقوم؟
فقط لأنّ نقش هذه الكتابة اُكتشف شرق الحضارة الأكّديّة، ولأنّ بعض المدونات الأكّديّة الّتي ترجمت فيما بعد (مع وجود ذات الإشكالات السّابقة)، تحدّثت عن جيران للأكّديّين في الشّرق أَطلقوا عليهم صفة البشر الأصدقاء أو السومريّين، افترض بعض الباحثين أنّ هذه الكتابة هي لغة أولئك القوم، فأسماها يولس أوبرت ما بعد 1850م باللغة السّومريّة، وتبعاً لذلك اُفترض وجود قوم سومريّين يتكلّمون هذه اللّغة، وما يزال بعض الآثاريّين للآن مشغوفاً بالبحث عن مدينة تُسمّى سومر!.

• شاكر الغزي

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

جائحة كورونا اللّغويّة

ماريانّا ماسّـا – إيطاليا منذ أن اجتاح وباء الفيروس التّاجيّ الكوكب وغيّر إيقاع الحياة فيه، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *