الرئيسية / للحوار / العبوديّة المختارة..

العبوديّة المختارة..

يقول المفكّر الفرنسيّ إيتيان دي لا بواسييه في كتابه (العبوديّة المختارة):
عندما يتعرّضُ بلدٌ ما لقمعٍ طويلٍ تنشأُ أجيالٌ من النّاسِ لا تحتاجُ إلى الحرّيّةِ وتتواءمُ مع الاستبداد، ويظهرُ فيه ما يُمكنُ أنْ نسمّيه (المواطن المستقر)..
في أيّامنا هذه يعيشُ المواطنُ المستقرُّ في عالمٍ خاصٍّ به، وتنحصرُ اهتماماتُه في ثلاثةِ أشياء:
1. الدّين.
2. لقمة العيش.
3. كرة القدم.
فالدينُ عند المواطنِ المستقرِّ لاعلاقة له بالحقِّ والعدلِ، وإنّما هو مجرّد أداءٍ للطقوسِ واستيفاء للشكل، لا ينصرف غالباً للسلوك.. فالذين يمارسون بلا حرج الكذبَ والنّفاقَ والرّشوةَ يحسّون بالذنبِ فقط إذا فاتتهم إحدى الصّلوات!
وهذا المواطنُ لا يُدافعُ عن دينه إلّا إذا تأكّد أنّه لن يصيبه أذىً من ذلك، فقد يستشيطُ غضباً ضدّ الدّولِ الّتي تُبِيحُ زواجَ المثليّين؛ لأنّ ذلك ضدّ إرادة الله، لكنّه لا يفتح فمَه بكلمةٍ مهما بلغ عددُ المعتقلين في بلاده ظلماً أوعدد الّذين ماتوا تحت التّعذيب.. إنّه يفعل الفاحشة والفساد فى بلاده جهاراً وبعذ ذلك يحمد الله!
لقمةُ العيشِ هي الرّكنُ الثّاني لحياةِ المواطنِ المستقرّ..
فهو لا يعبأ إطلاقاً بحقوقه السّياسيّة، ويعمل فقط من أجل تربية أطفاله حتّى يكبروا، فيزوّج البنات، ويؤمّنُ شغلاً لأولاده، ثمّ يقرأ في الكتب المقدّسة، ويخدم فى بيت الله طالباً حسنَ الختام .
أمّا في كرة القدمِ فيجد المواطنُ المستقرُّ تعويضاً له عن أشياء حُرِمَ منها في حياته اليوميّة..
كرة القدم تنسيه همومَه، وتحقّق له العدالةَ الّتي فقدها.. فخلال 90 دقيقة تخضع هذه اللّعبةُ لقواعد واضحةٍ عادلةٍ تُطَبَّقُ على الجميع…
المواطن المستقرّ هو العائق الحقيقيّ أمام كلّ تقدّمٍ ممكنٍ. ولن يتحقّق التّغيير إلّا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضّيّق، ويتأكّد أنّ ثمنَ السّكوتِ على الاستبداد أفدحُ بكثير من عواقب الثّورة ضدّه!

من كتاب: العبوديّة الطّوعيّة

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

جائحة كورونا اللّغويّة

ماريانّا ماسّـا – إيطاليا منذ أن اجتاح وباء الفيروس التّاجيّ الكوكب وغيّر إيقاع الحياة فيه، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *