يؤكّد علماءُ النّفس على أهمّيّة الأحلام في تفسير الحياة النّفسيّة، ويعلنون أنّ تفسـير الأحـلام هـو الطّريق الأفضل إلى معرفة خفايا النّفس الإنسانيّة. فالأحـلام انعكاس لعمليـّات ذهنيّة متخفيَّة، ولهذا فإنّ علماء النّفس يعطون أهمّيّة كبيرة للتداعيـات الحرّة، ويتركون لها حرّيّة الانطلاق من أجل الحصول على معلومات خاصّة بعناصر الحلم الّتي يمكنها أن تساعد عـلى إدراك المضمـون اللاشعوريّ للحلم.
فمن أجل تفسير حلم ما فإنّ الشّيء الأوّل الّذي يجـب أن نقوم به يكون في إيجاد العلاقة بين الحالم وموضوع الحلم. ومما لا شكّ فيه أنّنا نشاهد رموزاً كثيرة داخل الحيـاة الحالمـة. ولكـنّ هـذه الرّمزيـّة تتبدّى كنتاج لتجربة التّحليل ومن خلال المعالجة وفقـاً لمبـدأ التـّداعي لايمكنها أن تؤدّي إلى تفسير مؤكّد يرتبط عمليّاً بهذه التّقنيّة نفسها.
ويمكن لنا أن نستعرض مثالاً بسيطاً لهذه المنهجيّة ولهذه النّتائج، وهو مثال مستعار من فرانك Frank الّذي يروي الحادثة التّالية:
فمن أجل تفسير حلم ما فإنّ الشّيء الأوّل الّذي يجـب أن نقوم به يكون في إيجاد العلاقة بين الحالم وموضوع الحلم. ومما لا شكّ فيه أنّنا نشاهد رموزاً كثيرة داخل الحيـاة الحالمـة. ولكـنّ هـذه الرّمزيـّة تتبدّى كنتاج لتجربة التّحليل ومن خلال المعالجة وفقـاً لمبـدأ التـّداعي لايمكنها أن تؤدّي إلى تفسير مؤكّد يرتبط عمليّاً بهذه التّقنيّة نفسها.
ويمكن لنا أن نستعرض مثالاً بسيطاً لهذه المنهجيّة ولهذه النّتائج، وهو مثال مستعار من فرانك Frank الّذي يروي الحادثة التّالية:
جاءت إحدى صديقاته لزيارته، وروت له أنها شاهدت حلما مفاده أنها خنقت كلبا صغيرا أبيض، وقد عبرت عن دهشتها من هذا الحلم وطلبت منـه تفسـيرا لذلـك. ومـن منطلـق ارتبـاط المسألة بقتل الحيوانات قالت السيدة بأنهـا تحـب كثـيرا أن تعـالج أمـورالمطبخ وهي تضطر غالبا بحكم عملها هذا أحيانا إلى ذبح الدجاج والأرانـب، ومع ذلك فهي لا تحب هذا العمل وتؤديه بسرعة خاطفة مـا أمكـن لهـا ذلـك. وهنـا تلاحظ السيدة أنها أثناء الحلم خنقت الكلب بنفس الطريقة التي تخنق فيها الطيور في المطبخ. وهذه الملاحظات أدت إلى إدراك عميق لجوهر السبب الحقيقي لهذا الحلم. سألها فرانك ما إذا كانت تشعر بالحقد تجاه شخص ما ؟ وعندها أشارت السـيدة إلى سلفتها التي تحاول دائما أن تفرّق بينها وبين زوجها وتحاول أن تجعلها في حالة خلاف معه، وأضافت السيدة أنها منذ عـدة أيـام سابقة للحلم نشب خلاف بينها وبين سلفتها إلى حدّ أن السيدة طردت سلفتها وأغلقت الباب في وجهها قائلة لها: اخرجي من هنا لا أريد في بيتي كلبا يعضني.
وبعد ذلك وعلى أثر هذه المعطيات استطاع فرانك أن يفك رمزية هذا الحلم. فـالحلم يحدث آليا وذلك من خلال صورة متخيلة لسلوك عدواني، ولكن هـذه العدوانيـة تتمحور حول موضوع ليس له علاقة حقيقية بالمسألة: وهي العبارة التي نطقت بها السيدة لطرد سلفتهاعندما قالت لها لا أريد في بيتي كلبا يعضني، فالكلب غالبا ما يكون أبيضا وفي بياض الكلب الأبيض يكمن سرّ الحلم. فكيف ذلك ؟ فالكلب هنا يرمز إلى السلفة وفعل الخنق إلى رغبة عدوانية ضد سلفتها. والسؤال هنا لماذا أخذ الحلم هذه الصورة وما العلاقة بين الخنق والسلفة والكلب واللون البيض.
من أجل تفسير وجهي الحلم الوجه الظاهري والوجه الدلالي، يميز الباحثون بين ما يظهر منه وبين الأفكار الأساسية الكامنـة. وبعبـارة أخـرى بين المحتـوى المعلن والمحتوى الكامن، ففي المثال السابق يشير فعل خنق الكـلب إلـى الشكل المعلن، ولكن الرغبة في الانتقام الموجه ضـد السـلفة تشكّل الفكـرة الأساسية المضمرة فالمحتوى المعلن يمثل المضمـون المسـتقر، ويـأخذ مكانه في سياقه التعبيري. فالسيدة تخنق الطيور البيضاء غالبا في المطبخ وهذا عمل مشروع مع أنه يثير فيها الاشمئزاز (محتوى معلن ). ولكن توجد لديها كراهية ورغبة في الاعتداء على سلفتها وهذا أمر غير مشروع ( محتوى كامن لا شعوري ). وهي عندما أطلقت على سلفتها تسمية كلب يعض عندما قالت لها : لا أريد في بيتي كلبا يعضني ربط اللاشعور لديها بين صورة الكلب الأبيض الذي يرمز إلى السلفة وعملية الخنق للطيور في المطبخ لكي تبدو الصورة مقبولة إلى حد ما.
وبصورة أكثر عيانية يرى الباحثون أن الرغبـات اللاشـعورية، التـي تختمر داخل العمق النفسي، مع ما يواكبها من انفعالات وذكريـات، تشكّل المضمون الخفي للحلم. ويعتقدون مـن جهـة أخرى بـأن الغرابة التي تتميز بها الأحلام تجـد تفسـيرا لهـا مـن خـلالالوظيفة الأساسية المتشابهة لهذه المظاهر المرضية للعصاب أي أنهـا تشكّل اتفاقات أو اندفاعات لاشعورية داخل الشعور.
الحلم والرغبة :
يجري الاتفاق على أن حلم اليقظة يهدف دائما إلى تحقيق رغبة ما، قد تكون خيالية أو ممكنة، وذلك ينسحب على الحلم العادي. ويتضح من خـلال التحـليل ومنهـج التداعي بأن الحلم يشكَّل محرك رغبـة تتـوغل فـي عمـق البنية النفسية للفرد. وتبدو أحـلام الأطفال بالغة الوضوح فـي هـذا المسـار فهـي تحـقيق عفـوي للرغبـات والميول اليومية التي لم تحقق إشباعا كاملا. وهي في هذا السياق لا تعـبرعن علاقة رمزية بين المضمون المعلن والمضمون الكامن. ويمكن القول في هذا الخصوص أن هناك تكاملا وانسجاما بين المضمونين في هذه الحالة.
ويلجأ علماء النفس إلى أحلام الطفولة هذه ليوظفوها كأمثلة حيّة لوظيفة الحلم، لقد طلب من أحد الأطفال أن يقـدم سلة مليئة بالكرز إلى شخص آخر على أن يُكافأ بالحصول على بعض حبات الكـرز لقيامه بالعمل. وفي اليوم التالي حَـلٌم الطفل هارمان بأنه قد التهـم جـميع الكـرزات الموجـودة فـي السـلة. هـذه الأحلام الطفلية تأتي كرد فعل على أحداث تجري في إطار الحياة اليومية التي تترك عند الطفل إحساسا بالأسى والندم والحزن وتترك لديـه رغبـات غـير مشـبعة. والحلم هنا يمكن الطفل من تحقيق مباشر لرغباته وذلك عن طـريق تحـويل الفكـرة إلى حدث مباشر بطريقة التحليل.
ويلاحظ أن بعض أحلام الراشـدين تتشكَّل وفقـا لنمـاذج الأحـلام الطفلية وهي أحلام تنتمي إلى الفئة الأولى المذكورة سابقا. وفـي هـذا المجال يلاحظ أن كتاب الروايات والمغامرات يرسمون أحـلام أبطالهم الذين يسقطون جائعين في أماكن موحشة متغيرة بطريقة بارعة. فالمساجين يحلمون بالحريـة، وعندما تكون لدينا مشاريع تأخذ بمجامع القلب فإننا غالبا ما نحـلم بـأن هـذه المشاريع قد تحققت قبل الأوان. وهناك أمثلة لا حصر لها تصور لنا طبيعـة هذه الأحلام.
المكبوت والحلم:
إن تحقق الرغبات بطريقة وهمية حلمية، وحضور طابع الغرابة داخل الأحلام يشـير إلـى أن الأحلام تعبر عن العمق السحيق للنفس الإنسانية. فالرغبـات مدفونـة فـي العمـق اللاشعوري، وهذا يعني أن الأحلام فـي أكثرهـا رسائل نابعة من عالم اللاشعور.
فالعناصر اللاشعورية المكبوتة نفسيا يجب ألا تصـل إلـى سـاحة الشعور في أية صيغة كانت، وهذا يحدث بالتأكيد في حالة الأعـراض العصابيـة، ولكن هذه الأعراض تتوافق مع تحولات غير طبيعيـة، أو بـالأحرى مـع تحـولات غير شائعة داخل البنية النفسية، وذلك لأنه وتحت تأثير أسباب عديـدة خاصـة بالصراعات يحدث خلل في التوازن الطبيعي. فهناك قوى ناهضة للنزعاتالمكبوته كما يعتقد فرويد قادرة على اختراق الحواجز والوصول إلى ساحة الشعور أو الوعي وذلك من خـلال الحلم. وتلك نتيجـة طبيعيـة ومنطقيـة للنـوم : أثنـاء النـوم تتراخـى المراقبة وتنخفض طاقة الأنا والقـوة النفسـية التـي تحـافظ عـلى وضعيـة المكبوت العادية. وفي هذه اللحظات تنتهز الطموحات اللاشعورية الدفينة والمكبوتة الفرصة أثناء النـوم، لتخترق ساحة الشعور ولكن قوة الكَبْت التـي تسـجل ضعفـا كبـيرا تبقـى مع ذلك موجودة بحدود دنيا لتمارس بعضا من عملها وفعالياتها.
وبالتالي فإن رقابة الحلم ( القوى الواعية التي تراقب وتمنع اندفاعات اللاشعور ) هي بقية القوى الكابتة، فهي تمنـع الرغبـات اللاشعورية من الظهور بصفة مباشرة. يعتقد فرويد أنه وبسبب قوة المراقبة التي تمارس عملها حتى اثناء النوم، ويطلق عليها الرقابـة الحلمية، فإن اندفاعات اللاشعور التي تتبدى في الحلم وترتدي ثوب الأحلام ( التفكير الحلمي) يتوجب عليها أن تتوخى الحذر وأن تتخفى عن أنظار قوة المراقبة ومن أجل ذلك تتسلل بأثواب وهيئة تساعدها على تجاوز قوى المراقبة للوصول إلى ساحة الشعور وهنا تحدث بعض التغيرات والتعديلات في هيئة هذه القوى والتي تجعل الحلم غريبا استثنائيا غير منطقي مفارق للمعاني الموضوعية بحيث يستحيل فهمه ويصعب إدراك دلالاتـه الحقيقيـة، لأن القوى اللاشعورية تأخذ طابع التقنع وتظهر على غير صورتها الحقيقية ولا تتبدى بهيئتها أو صورتها الحقيقية وبصفة مباشرة.
ومن هنا يمكن الانطلاق لتفسير الغامض في الأحلام، وهنا تكمن التفسيرات الخاصة بتشوهات الحلم ودلالاته غير المباشرة. فالعناصر الأساسية للحـلم في صيغته الخام(الاندفاعات اللاشعورية المكبوته) تأخذ صيغا تحويليّة أكثر براءة تسمح لها بالوصـول إلى ساحة الشعور. لقد تحدثنا في مثالنا السابق عن السيدة التـي حـلمت بقتـل الكلب الصغير الأبيض ولاحظنا كيف اكتشف المحلل وجود اندفاعات عدوانية عند السيدة ضد سلفتها، وهي اندفاعات مرفوضة من قبل الحالمة، ولكـن هـذه النزعـة إلى القتل تتخفّى في ثياب الحلم وذلك بدلا من الظهور بطريقـة مباشـرة : فـالكلب الصغـير يلعـب دور الضحية إذ يصعب جدا أن تكون الضحية المنشـودة السلفة نفسـها. فمن أجل إعادة بناء المادة الحلمية استطاع المضمـون الكـامن( رغبة قتل السلفة ) أن يخـرج إلى ساحة الوجود أو الشعور في صورة رمزية حلميةمتخفيّة وبطريقة مجهولة من قبل الشعور نفسه هذه الصورة هي : خنق الكلب، فرقابة الحلم تسمح بخنق كلب ولكنها لا تسمح بخنق امرأة، ولذلك فإن رغبة قتل السلفة هذه تخفت في هيئة رغبة بقتل الكلب الأبيض وهذا أمر تسمح به الرقابة الشعورية والكلب الأبيض هنا رمز جديد للمرأة المرغوب بقتلها : السلفة. لنعد من جديد إلى عبارة المرأة عندما قالت لسلفتها بصورة واعية : لا أريد في بيتي كلبا يعضني : هذه العبارة ارتسمت في ساحة اللاشعور وأصبحت اللفظة رمز للسلفة. وهكذا يتم الربط بين رمزية الكلب والسلفة. بعبارة أخرى يمكن القول بأن صورة السلفة الحاقدة أخذت رمزية جديدة فهي كلب مسعور في وجدان المرأة الواعي واللاشعوري. وهكذا استطاع المضمون الكامن أن يرتدي هذا الثوب : الكلب البيض ليخدع رقابة الضمير. وتيقى الرابطة بين الكلب والخنق البياض فالمرأة تخنق الطيور البضاء والكلب أبيض والكلب حيوان أيضا ففعل خنق الكلب المسعور في منطق الشعور أمر مشروع وهو أكثر مشروعية في منطق الاندفاعات الحلمية.
فإدراك العلاقة الدقيقة المتخفيّة بين المضمون الظاهر والمضمون الكامن يشكَّل المنطلق الأساسي لإدراك وتفهم القضايا الخاصة بعبثية الحلم.
يرفض بعض الأشخاص قطعيا أن تفسـر أحـلامهم وفقـا لهـذه المنهجية ويرفضون بقوة أن تكون أحلامهم صورة لرغبات لاشـعورية فـي مـوت بعـض الأصدقـاء والأحبة ! كتبت إحدى المريضات إلى فرويد قائلـة “ أتجسر حقا عـلى القول بأنني أريد الموت لزوجي ! إن في هذا بلاهة واضحة ! لقد كّوّنا أسرة متكاملة وبالتالي فإن موته يحرمني من كل ما أملكه في هذه الدنيـا “. ويقـول مـريض آخر : كيف تستطيع أن تقول إنني آسـفة عـلى إنفاق مبلـغ كرسته لأخواتي ومن أجل تربية أخي ؟ إن هذا مستحيل! فأنا لم أعمل أبدا إلا من أجل عائلتي ولا توجد لـي أيـة غاية أخرى في الحياة غير إنجاز واجـبي مـن أجـل أسـرتي”. هـذه الاعتراضات مشروعة إلى حدّ كبير ولا سيّما في المستوى الشعوري من التفكير، فهي صحيحة مـن جهـة نظر لاشعورية وخاطئة إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضعية الشعورية.وهنا يمكن أن نلاحظ المشقة الكبيرة التي يتجشمها عالم النفس عندما يريد أن يتحدث عن دلالة حلم ومغزاه أي عندما يريد أن يدخل في مجاهل المضامين الكامنة والخفية.
فهناك نزعات لاشعورية، والحالم له كل الحق في أن يعلن بأنـه يجهل هذه النزعات وأنه يرفضها في الوقت نفسه. ولكنه مـع ذلـك لا يحـق لـه أن يعـارض إمكانيـة الوجـود اللاشعوري لهذه النزعات. يعرف فرويد في النهاية الحلم بأنـه : هـو تحـقق مٌقَنـّع لرغبة مكبوتة لاشعورية وهو لا يعدو في النهاية عن كونه تنفيذا لرغبة معينه.
مواد الحلم:
تشكّل النزعات اللاشعورية الينابيع الأساسية لصورة الأحلام ويمكن الإشارة إلى مصادر أخرى. لقد عرفنا سـابقا أنه يمكن الاستفادة من الاستثارات الخارجية والداخلية في توظيفات الحلم. ولكن علماء النفس يركزون في هذا المجال على أهمية العناصر مـا قبـل شـعورية هـذه التي توجد في الذاكرة القريبة وفـي الذكريـات والاهتمامـات التـي تشكّل المواد الأساسية للحلم.
وغني عن البيان أن المضمون الظاهري للحلم يعتمد على أحداث جـديدة ومشـاريع حديثة واعية، فأكثرية الأحلام تشتمل عـلى عمليـات ذهنية تدور أحداثها في ماض قريب. ويطلق فرويد على هـذه العمليـات بقايـا أحداث اليوم. هذا ويمكن لعمليـات الاصطفـاء الخاصـة بالذكريـات أن تتدخل في عملية صياغة الحلم وهي بالتالي يمكنها المساهمة في تحليل دلالاته العميقة. وعندما يقـع الخيار على مجموعة ذكريات، فإن ذلك يتم على ضوء القرابة التـي تشـد هـذه الذكريات إلى العناصر اللاشعورية. وينسحب الشيء نفسه على الاهتمامات حديثـة العهـد التـي تعطـي الفرصـة لظهور اهتمامات أكثر عمقا. فالحلم بصورة مبسطة مزيج من مـواد مختلفـة تتكـون بالدرجـة الأولى من بقايا الاهتمامات اليومية ذكريـات حديثـة واهتمامات، ومـن دينامية لاشعورية بالغة العمق يطلق عليها فرويد رغبة. ويحدث أن العنـاصر ما قبل شعورية توظف لإنتاج ما يسمى المضمون المعلـن للحـلم، وهـي فـي كـل الأحوال لا تمثل المضمون الكامن. وإذا حدثت إزاحة الأفكـار التـي يعـبر عنها الحلم فإن ذلك يشير إلى كل ما يريده المرء : تحذيرات، مشاريع. ومع ذلك فإن الحلم يبقى تحقيقا لرغبة لاشعورية : فالحلم ليس مشـروعا محـدودا أو تنبيها قصير المدى بل يمثل وعلى نحـو دائـم مشـروعا أو تحذيرا يُوَلِّـد – بتأثير رغبة لاشعورية – طريقة تعبير تسعى إلى تحقيق رغبة.
الحلم والجنس:
لقد قاد تحليل الأحلام فرويد في أغلب الحالات إلى إدراك المكونـات المختلفـة لليبيدو ( طاقة الحب) والتـي تـرتبط بـالعقدة الأوديبية، أو بعناصر جنسية أخرى. ومع ذلك فإن فرويد يعترف بأن الرغبـات المحركة للحلم ليست بالضرورة رغبات من نسق جنسي، فهناك مجموعة أخـرى مـن الرغبات يمكن أن تكون في أساس الحلم بشرط أن تكون هذه الرغبـات مكبوتـة في الحدود الدنيا. يقول فرويد في هذا الخصوص في كتابه “تفسـير الأحـلام” لايجب أبدا أن ننسى أهمية المٌرَّكَب الجنسي ولكن لا يجب أن نبالغ إلى حدّ النظر إليه بوصفه يملك تـأثيرا نهائيـا وبـلا حـدود. إن القول بأن جميع الأحلام يجب أن تفسر عـلى نحـو جنسـي مقولـة تخـالف منطق العلم في تفسير الأحلام.
تتطلب معرفة الدور الذي يؤديه الليبيدو داخل اللاشعور مـن المحـلل أن يبحث عن المحتوى الكامن الجوهري للحلم وذلـك داخـل المركبـات الجنسـية. فالميول المكبوتة يمكنها أن تنتمي في إطار هـذه الحالـة إلـى مـاض قـريب نسبيا كما يمكنها أن تعود إلى المرحلة الطفلية مـن الحيـاة. قـالت إحـدى السيدات لفرويد أنها حلمت بأن ابنتها قد توفيت وهي لم تتجاوز بعد السـابعة عشـرة مـن العمر. لقد افترض فرويد أن السيدة كانت قد تمنت الموت لابنتها فـي إحـدى المرات وذلك على نحو شعوري ثم أصبحت هذه الرغبة لاشعورية لاحقا فالابنة كانت نتاجا لزواج بائس انتهى بطلاق بين الزوجين. ولمـا كـانت الأم حـامل بطفلتها هذه فهي وعلى أثر مشاجرة مع زوجها بدأت تضرب نفسها ساعية إلى إجهاض نفسها متمنية موت من في أحشائها. وهذه الأحداث القديمة تفسـر بوضـوح الرغبـة اللاشعورية عند الفرد الخاصة بموت أحد الأحبة أو الأقرباء.
وغالبا ما يعود المحلل النفسي غالبا إلى ذكريات بعيدة جدا وذلك في مرحلـة الطفولة وهي المرحلة التـي تنتظـم مـن خلالهـا وعـلى نحـو لاحـق الحيـاة اللاشـعورية للنفس الإنسـانية، وهـذا يســميه فرويــد بــالزمن القــديم للحلم. ومن هذا المنطلق فـإن العقـد والمركَّبـات مثـل عقـدة أوديب وعقدة الخصاء تمثلان مفتاح الأحلام.
تقول حالمة أخرى أنها شاهدت نفسها على شاطئ البحر وفجأة تـرى مـنزلا كبيرا في نهاية الشاطئ، ثم تشاهد نفسها وكأنهـا داخـل قـارب صغـير على مسافة قريبة من المنزل، ثم تبدأ موجات عاتية تحيط بقاربها وبدا لها وكأن المـنزل يتحرك وكأنه قارب. بعدها تشعر الحالمة بالدوار وذلك لأن القارب يتحرك على منوال المنزل وهي في إطار قلقها هذا تدفع أمها داخل الميـاه وفـي هـذه اللحظـة نفسها تشعر بأن القارب بدأ ينساب ويطرحها داخل الماء ثم تصيح طالبة النجدة. وعلى أثر ذلك تشاهد أباها بين المنقذين ثم يأخذها بين ذراعيـه. ثـم تسـعى إليـه صائحة بابا بابا.
لا يتطلـب تفسير هذا الحلم مشـقة كبـيرة : فالعلاقة الحميمة بين الأم وابنتها تنقطع وهي تنادي أباها. أما فيما يتعلق بالمنزل الكبير والقارب الصغير فإن ذلـك يتعلـق بذكريـات طفولية تخص سرير المهد داخل غرفة والديها ( عقدة أوديب). هذا هو التفسير الذي وصل إليه لافورك Laforgue عبر منهج التداعي.
ويشير الحلم التالي إلى العقدة الأخوية Complexe fraternel والذي يتبدى بوضـوح كـامل. وهو حلم فتاة مفاده أنها كانت تتنزه داخل مدينة حيث كانت الشوارع مزدحمـة :” كـنت أقول لنفسي هذه هي الحرب التي ستبدأ أو بـالأحرى التـي تسـتمر وذلـك لأن السلام لم يكن إلا حلما. ولم أكن قادرة على التحمل ثم سألت مـا إذا كـان أخي قد انصرف إلى الحرب “.
نشوب الحرب تتطلب دعوة أخيها إلى الجندية وكان أخوها يحظى بالدلال منذ اللحظة التي وجـد فيهـا في هذا العالم. أما الفتاة الحالمة كانت محرومة من الحنان وتعاني من طفولتها حيث كانت تتعرض لهجمات الأخ بصورة دائمة. ولذلك فهي في الحلم تجدد الحرب وذلك من أجل التخلص من أخيها.
التأويل والتَنَكٌر:
تفسير الحلم على الطريقة الفرويدية أشبه بقراءة الخطوط الهيروغليفيـة. ففي الأمثلة التي سقناها حتى هذه اللحظة يبـدو لنـا أنـه لمـن السـهولة بمكان أن نقرأ المحتوى الكامن للحلم وفقا لصورة المحتوى الظاهر المعلن. أما فـي الأحلام المعقدة فيأخذ المضمون المعلن صيغة تَنَكٌر بعيدة المدى وصورة مزيفه للمضمون اللاشعوري، وذلك يتطلب طاقة كبيرة جدا من أجـل الوصـول إلى تفسيرات العمليات السائدة في هذا المستوى. ويصف التحليل النفسي هذه العمليات بمفـاهيم مثـل التكثيف Condensation والإزاحة Deplacement والترميزSymbolisation والدرامية Dramatisation، وتأخذ هـذه المفاهيم صيغة عمليات لاشعورية خاصة بالنشاطات اللاشعورية، وهـي توجـد فـي أصـل بنية المظاهر المَرَضيَّة العصابية، هذا ويمكن للأحلام أن تضع هـذه العمليـات في دائرة الوضوح.
يفوق المضمـون الخـفي للحـلم مظهـره من حيث الغنى. وبالتالي فإن المحلل لا يستطيع أبدا أن يستنفذ الصعوبات التي توجد داخل الحلم. لقد أدرك بينيه Binet إلـى أي حدّ يكـون التفكير عن طريق الصور محدودا بالقياس إلـى التفكـير الـذي يعتمـد عـلى المفاهيم، حيث يقول عبارته المشهورة : يفكر المرء جيدا فيما بعـد الصـورة. ويمكـن لهـذه المقولة أن توظف في مجال الأحلام، فهي تشير إلى غزارة المعطيـات الرمزية وذلـك بالقيـاس إلـى الصـور الحلميـة الخـام : فالحلم المعلن هو ترجمة مختصرة للمحتوى اللاشعوري. وهنا يستخدم فرويـد مفهوم التَّحَدُد التضافري Surdetermination “ ( تحدد سلوك ما بدوافع مختلفـة ) ليشير إلى طاقة المادة الحلمية والتي يمكنها أن تترجم عدة عنـاصر خفيـة وأن تجسد موضوعات لاشعورية متعددة.
التكثيف Condensation:
ويمكن لهذا النموذج الحلمي المأخوذ من فرانك Frank أن يكون مثالا جيدا لعملية التكثيف : حلمت سيدة أنها كانت تتنزه مـع صديقتهـا فـي الشارع وإذ بها تتوقف أمام واجهة لمشاهدة القبعـات المعروضـة ثـم تدخـل وتشتري قبعة سوداء. أكدت السيدة لمحللها أنه سبق لها أن شاهدت هذه القبعات واقعيا ولكنهـا لم تشتر أيا منها وكان زوجها في هذا اليوم يعاني مـن مـرض وكـانت قلقـة عليه وأثناءها قدمت صديقتها تبحث عنهـا وكـانت راغبـة حقـا فـي الترويح عن نفسها عبر نزهة قصيرة. وأثناء النزهة جرى الحديث عن رجل كانت تعرفه قبل زواجها وكانت تحبه جدا، لقد بدا لها أنه لمن المستحيل بمكـان أن تفكـر بالزواج منه الآن وهو رجل ميسور. أما فيما يتعلق بالقبعة لقد أعلنـت الحالمـة أنها كانت فعلا ترغب بشراء واحـدة، ولكـن ذلك لـم يكـن ممكنـا بسـبب الحالـة المادية المتردية لزوجها.
إن شراء القبعة السوداء يشكل هنا مفتاح الحلم: فشراء قبعة سوداء تستعمل أثناء المآتم كـان قـد حـدد بتـأثير رغبة ثلاثية : موت الزوج، الرغبة في الزواج من الرجل الذي تحبه، وأخـيرا الرغبة في الحصول على المال. وهـذا يعنـي أن صـورة القبعـة كـانت تحـديدا متضافرا لعوامل مختلفة Surdétermination.
تستند عملية التكثيف إلى عنصرين أساسيين حيث يتبـدى المضمـون المستتر داخل الحلم الظاهر. ويشبه هذا الواقع حال شخصين توجـد لديهمـا مشاعر متشابهة (غيرة، سوء نية ) هذه المشاعر تتبدى في صورة واحدة مركبـة تبـدو في الحلم. وهذا يعني أن التكثيف يؤدي إلى تمرير مجموعة من الميول بعيـدا عن الرقابة الشعورية وذلك عندما يتـم ترجمـة هـذه الميـول إلـى صـور هـي بالضرورة نتاج لنزعات أخرى.
الإزاحة Déplacement:
تحدث هذه العمليات عندما يتم إزاحة الموضوع الخاص بنزعة ما إلى موضوع آخر. وتلك هي أهم عملية تهيمن على مجال الدينامية اللاشعورية. تسمح هـذه العملية لبعض العناصر المكبوتة أن تَّحول فعاليتها إلى صيغة جـديدة أكـثر قدرة على التكيف. ويشمل إزاحة الرغبـات والمرفوضات ( أشكال المعاناة التي تـرتبط بـردود الأفعـال الخاصـة بعقدة الإحساس بـالذنب ) وغالبا ما تشكّل هذه العملية الأساس الحقيقي للتوازن النفسي عند الأفراد.
ويستند فرويد إلى صورة هزلية لرسم الملامح العامة لعملية الإزاحة المسـتخدمة مـن قبـل الوعي اليقظ: اتٌهِـم بيطـار القريـة (حذّاء الخيول ) بجريمة الخيانة الكبرى، وبما أنه لا يوجد بيطار آخر في القريـة قررت المحكمة إعدام واحد من الخياطين الثلاثة في القرية.
هذا ويمكن لعملية الإزاحة أن تأخذ موضوعا جـديدا كمـا فـي المثال السابق أو أن تأخذ اتجاها مجانسا. وتلك هي حالة الصياد الذي كـان يصطاد الطرائد الكبرى وبتأثير بعض الظروف اتجه إلى صيد الحجل. ويعني هذا أن نزعته قد تحولت إلى موضوع جديد، وأن هنـاك ظـروفا جـديدة مثـل الـزواج والصحة أو المرض منعته من ممارسة نشاطه المعهود. فالرغبة الأولية قد تستبدل برغبـة أخـرى مجانسة لها. ويمكن ملاحظة الأمر نفسه في مستوى الرهابات العصابية ولا سيّما رهاب الخوف من الحيوانات الذي يتعرض لعملية إزاحة فيحل حيوان محل آخر بوصفه موضوعا للرهاب.
ويلاحظ على مستوى الحلم، والميول اللاشعورية، أن التحويل يلعب دورا كبيرا في مخادعة الرقابة الشعورية. إذ يمكن لأشياء غير معنية أن ترهب صاحب الحلم وأن تثير فيـه مخـاوف حقيقيـة وذلـك لأنهـا اسـتبدلت بموضوعات أخرى قادرة على بث الخوف والقلق. ففـي الحـلم الـذي أشرنا إليه سابقا والخاص بعملية خنق الكلب الأبيض نلاحظ أن الحـقد الـذي تكّنه السلفة تجاه سلفتها قد أخذ موضوعا آخر وهو الكـلب الـذي لا يجـانس الموضوع الأساسي إلا في مستوى التداعي. ويمكـن فـي هذا السـياق أن يعزى لعملية التحـويل نزعـة الحـالم إلـى إضفـاء اهتماماته وإسقاطها على الآخرين.
ويتم هذا الأمر في صيغة معكوسة تماما بمضمونهـا الكـامن داخـل الحـلم الظاهر المعلن الخ… ومن هذا المنطلق فإن تفسير الأحلام يقوم فـي جـانب كبير فيه على أساس إدراك الغايات الحقيقية وإيجاد علاقات التحويل وتحليل التكثيف وذلك لأن كلاهما التكثيف والتحويل يشـكلان العمليـة التـي تسـهم بالدرجة الأولى في بناء التشوهات واللاتماسك الذي يتبدى في الأحلام.
الدراماتيَة Dramatisation:
يشير مفهوم الدراماتية إلى حالة يعبّر فيها المضمون الظاهر للأحـلام عن وضعية أو فعل أو أفكار مجردة تتطلب من أجل أن تدخل في الحلم أن تتحول إلى صور في صورة دراما أو في صورة شاعرية. فالتملك على سبيل المثال يتجسد فـي حالـة فيزيائيـة كأن يجـلس المرء على شيء ما ويسيطر عليه. قد يقول واحد من الناس لنفسه” إن النضال من أجـل هـذه الحياة لا يستحق كل هذا العناء ” وعند المساء يـرى هـذا الشـخص فـي حلمـه : خنفساء تتسلق شباك النافذة وعندما تصل إلى أعلى نقطة فيه تسقط ثم تعـاود الصعود. ومثال ذلك أن أحد الكتاب يعتقد أنه يجب عليه أن يصحح بعض العبارات في مقالـة له وفي المساء يحلم أنه يصقل قطعة من الخشب.
تمارس الدراما تأثيرا اصطفائيا في المواد المستخدمة داخل بنية الحلم الظاهر. وهي تخضع لتحديات صريحة، إذ لا يمكن التعبير عن كل شيء من خلال الصور. وبالتالي فإن الطريقة التي يعبر فيها عن العلاقات المنطقيـة داخل الحلم تتغاير مع تغاير الأفراد، وأحيانا تبدو في صورة عملية تنطوي على عـدة صور في آن واحد حيث تتجلى العلاقات السببية في تعاقب هذه العناصر نفسها. وهنا يجب أن تتوافر الحكمة الكبيرة من أجل تفسير كـل هـذه العلاقـات السـببية بمـا فيهـا من تعارضـات وتناقضات.
رمزية الأحلام Symbolisme des rêves:
الرمز شيء أو تصور يأخذ مكان شيء أو تصور آخر بوصفه مشـابها لـه أو لأنه يرتبط به بعلاقة ما، وهو في ذلك يقدم دلالة ليست له في الأصل. ولكن توجد في أغلـب الحـالات روابط محـدودة تربط الرمز بالمرموز إليه. عـلى سـبيل المثـال : حفنة من تراب الوطن تمثل بالنسبة للمغترب رمز الوطن البعيد.
لقد بينت تجارب المحللين أن صور الأحلام تمثل عددا كبـيرا مـن الرموز الخاصة بالصور الكامنة واستطاعوا مـن خـلال هـذه التجـارب تحـديد مجموعة من الرموز التي تشير إلـى عـدد كبير مـن الصـور على نحو منتظم. وتشكّل هـذه الرمزية أيضا وسيلة لاشعورية من أجل التَنَكّر وتجـاوز حـدود الرقابـة الشعورية.
وهناك عدد من الرموز النموذجية، حيث تتجلى السـلطة الأبويـة أو الأموميـة غالبا في رمزية صورة ملك أو أمير. ويمكن للنظام الرمزي للأب أن يأخذ أشكالا متعددة مثل : ملك، أو رئيس. وقد يأخذ صور حيوانات مقتدرة كاسره مثل الأسد والصقر والثـور. فالحلم الذي يهاجمنا فيه صقر يشـير إلى هيمنة أبوية وهو يرمز إلى عنصر القهر الذي يمارسه الأب، كما يمكنه أن يمثل الرغبات الأوديبية، ولكن غالبا ما يأخذ الأب المخيف صورة ثور هائج. وهناك أحلام كثيرة مـن هـذا النوع وذلك بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون بمكانتهم الدونية تجاه آبـائهم.
تنظر المرأة إلى الذكورة في تجلياتها العدوانية حيث تـأخذ رمزيـة الأدوات القاطعة والحادة. أما الأنوثة فتأخذ رمزية سلبية عند الذكـور إذ غالبا ما تأخذ صورة مادة مثقوبة أو قناة أو حفرة أو كهف أو قارب، وقـد يرمـز لهـا بصـورة العنكبوت الذي يمثل الأم المخيفة التي تسجن طفلها داخل حلقات سيطرتها.
هذا ويرمز إلى الولادة وبشكل منتظم بانبثاق المـاء، حـيث يتـم الغوص في الماء أو الخروج منه. وهذا يشير إلى حـمل أو ولادة أمـا المـوت فيرمز له بالرحيل.
لا يوجد في نيتنا أن نذكر جمع الرموز التي يشير إليهـا فرويـد فـي مجال علم الأحلامScience des rêves. ولكن لا بد في هذا السياق من الإشارة إلى نموذجين من الرموز وهما جديرين بالملاحظة : فالتصورات اللاشعورية المحـددة يمكـن أن تترجم وحسب الحالة إلى صور رمزية مختلفة جدا هذا من جهة. وهناك حرية واسعة جدا في مجال رمزية الحلم إذ توجد رموز لا حصر لهـا يمكنهـا أن تشير إلى شيء واحد على سبيل المثال يرمز للأب برموز مثل الملك والأسد والصقر والثور وهذه الرموز تشكّل ما يسمى بمنظومة الرمـوز الأبويـة. وعـلى خـلاف ذلـك يمكـن لرمز واحد أن يشير إلى منظومة من الدلالات والتي يمكنها أن تتوافق مع عناصر لاشعورية ذات أحوال مختلفة فالقارب يمكـن أن يشـير إلـى مهـد الطفولة أو إلى الطبيعة الأنثوية.
إن تحليل الرموز وتفسـيرها أمـر يتطلـب أنـاة وصـبرا : فـالرمز المنعزل لا يمكنه أن يشير إلى أي مفتاح للدخـول إلـى دهاليز اللاشـعور. فـالمنهج الرمزي لا يشابه في أية حال من الأحوال منهج التداعي. يقـول فرويـد: “إن التقنية التي تستند إلى معرفة الرموز لا يمكنها أن تحل محل هذه التـي ترتكز إلى التداعي ولا يمكن أن تقاس بها. فهي تتكامل مع الأخيرة وتزودهـا بمعطيات هامة “. تشير هذه الخلاصات بما فيه الكفاية إلى تعقيـد العلاقـات القائمـة بين الشعور واللاشعور في دائرة الحلم. فالحلم، من وجهـة نظـر، ليس شـيئا آخر سوى نتاج عمل يهدف إلى فعل التكثيف والإحالة والدراما والترميز، وذلك دون أن نتوغل في إحصاء الفعاليات الجانبية والتي تعمل على توحيد المعطيات المختلفة في كلَ متكامل داخل الحلم والتي تعمل على تنظيـم المـواد الحلميـة داخل نسق لا يمكن فهمه بسهولة. هذا ويمكن القول بصورة أخرى أن الحلم هـو عمل بنائي يعبر عن الأفكار الكامنة في مجاهل اللاشعور.
ويمكن للرغبات العاطفية أن تجد ترجمة لها داخـل المضمـون المعلن للحلم عبر صور ورموز وكيفيات مناقضة تماما لمبدأ تحـقيق هـذه الرغبـات. فعمليـات الحـلم تجـعل المضمون الخفي للحلم غير مفهوم ومقنع بشـكل كـامل، ومـع ذلـك فـإن هـذه العمليات تكشف عن الدلالة الحقيقية وفقا لمبدأ التداعي. يصف أحد المحللين ثلاثة أشكال من الأحـلام المختلفـة الناجمة عن رنين منبه الصباح. في المرة الأولى شاهد المحلل نفسه فـي الحـلم عائدا من إحدى الكنائس حيث يشاهد قارع الأجراس يصعد إلى جرس الكنيسة ويرنه. وفي الحلم الثاني كان في الشتاء حيث كان يسير على زلاجـة تصـدر رنينـا وتجلجل، وفي الحلم الأخير يشاهد عاملة المطبخ تأتي إلى صالة الطعام وعلى الرغم من تحذيراته لها تركت الصحون تسقط على الأرض. يسجل فرويد ملاحظاته حول هـذه المسألة : الحالم لا يدرك منبه الإيقاظ وهذا لا يشكّل عنصرا مـن عنـاصر تفسير الحلم فهو يستبدل الضجة التي يصدرها المنبه بضجة أخرى وهو يفسـر في كل مرة الحدث بطريقة مختلفة لمـاذا ؟ يقـال إنما يحـدث في هذه الحالات يحدث بحـكم المصادفة الاعتباطية. ولكن تفسير الحلم على نحـو موضـوعي يقتضـي منـا أن نعرف لماذا يختار الحلم هذا الصوت دون الأصوات الأخرى وذلك ضروري من أجـل أن نفهم الإثارة الحلمية التي يسببها المنبه.* د. علي أسعد وطفة
وبعد ذلك وعلى أثر هذه المعطيات استطاع فرانك أن يفك رمزية هذا الحلم. فـالحلم يحدث آليا وذلك من خلال صورة متخيلة لسلوك عدواني، ولكن هـذه العدوانيـة تتمحور حول موضوع ليس له علاقة حقيقية بالمسألة: وهي العبارة التي نطقت بها السيدة لطرد سلفتهاعندما قالت لها لا أريد في بيتي كلبا يعضني، فالكلب غالبا ما يكون أبيضا وفي بياض الكلب الأبيض يكمن سرّ الحلم. فكيف ذلك ؟ فالكلب هنا يرمز إلى السلفة وفعل الخنق إلى رغبة عدوانية ضد سلفتها. والسؤال هنا لماذا أخذ الحلم هذه الصورة وما العلاقة بين الخنق والسلفة والكلب واللون البيض.
من أجل تفسير وجهي الحلم الوجه الظاهري والوجه الدلالي، يميز الباحثون بين ما يظهر منه وبين الأفكار الأساسية الكامنـة. وبعبـارة أخـرى بين المحتـوى المعلن والمحتوى الكامن، ففي المثال السابق يشير فعل خنق الكـلب إلـى الشكل المعلن، ولكن الرغبة في الانتقام الموجه ضـد السـلفة تشكّل الفكـرة الأساسية المضمرة فالمحتوى المعلن يمثل المضمـون المسـتقر، ويـأخذ مكانه في سياقه التعبيري. فالسيدة تخنق الطيور البيضاء غالبا في المطبخ وهذا عمل مشروع مع أنه يثير فيها الاشمئزاز (محتوى معلن ). ولكن توجد لديها كراهية ورغبة في الاعتداء على سلفتها وهذا أمر غير مشروع ( محتوى كامن لا شعوري ). وهي عندما أطلقت على سلفتها تسمية كلب يعض عندما قالت لها : لا أريد في بيتي كلبا يعضني ربط اللاشعور لديها بين صورة الكلب الأبيض الذي يرمز إلى السلفة وعملية الخنق للطيور في المطبخ لكي تبدو الصورة مقبولة إلى حد ما.
وبصورة أكثر عيانية يرى الباحثون أن الرغبـات اللاشـعورية، التـي تختمر داخل العمق النفسي، مع ما يواكبها من انفعالات وذكريـات، تشكّل المضمون الخفي للحلم. ويعتقدون مـن جهـة أخرى بـأن الغرابة التي تتميز بها الأحلام تجـد تفسـيرا لهـا مـن خـلالالوظيفة الأساسية المتشابهة لهذه المظاهر المرضية للعصاب أي أنهـا تشكّل اتفاقات أو اندفاعات لاشعورية داخل الشعور.
الحلم والرغبة :
يجري الاتفاق على أن حلم اليقظة يهدف دائما إلى تحقيق رغبة ما، قد تكون خيالية أو ممكنة، وذلك ينسحب على الحلم العادي. ويتضح من خـلال التحـليل ومنهـج التداعي بأن الحلم يشكَّل محرك رغبـة تتـوغل فـي عمـق البنية النفسية للفرد. وتبدو أحـلام الأطفال بالغة الوضوح فـي هـذا المسـار فهـي تحـقيق عفـوي للرغبـات والميول اليومية التي لم تحقق إشباعا كاملا. وهي في هذا السياق لا تعـبرعن علاقة رمزية بين المضمون المعلن والمضمون الكامن. ويمكن القول في هذا الخصوص أن هناك تكاملا وانسجاما بين المضمونين في هذه الحالة.
ويلجأ علماء النفس إلى أحلام الطفولة هذه ليوظفوها كأمثلة حيّة لوظيفة الحلم، لقد طلب من أحد الأطفال أن يقـدم سلة مليئة بالكرز إلى شخص آخر على أن يُكافأ بالحصول على بعض حبات الكـرز لقيامه بالعمل. وفي اليوم التالي حَـلٌم الطفل هارمان بأنه قد التهـم جـميع الكـرزات الموجـودة فـي السـلة. هـذه الأحلام الطفلية تأتي كرد فعل على أحداث تجري في إطار الحياة اليومية التي تترك عند الطفل إحساسا بالأسى والندم والحزن وتترك لديـه رغبـات غـير مشـبعة. والحلم هنا يمكن الطفل من تحقيق مباشر لرغباته وذلك عن طـريق تحـويل الفكـرة إلى حدث مباشر بطريقة التحليل.
ويلاحظ أن بعض أحلام الراشـدين تتشكَّل وفقـا لنمـاذج الأحـلام الطفلية وهي أحلام تنتمي إلى الفئة الأولى المذكورة سابقا. وفـي هـذا المجال يلاحظ أن كتاب الروايات والمغامرات يرسمون أحـلام أبطالهم الذين يسقطون جائعين في أماكن موحشة متغيرة بطريقة بارعة. فالمساجين يحلمون بالحريـة، وعندما تكون لدينا مشاريع تأخذ بمجامع القلب فإننا غالبا ما نحـلم بـأن هـذه المشاريع قد تحققت قبل الأوان. وهناك أمثلة لا حصر لها تصور لنا طبيعـة هذه الأحلام.
المكبوت والحلم:
إن تحقق الرغبات بطريقة وهمية حلمية، وحضور طابع الغرابة داخل الأحلام يشـير إلـى أن الأحلام تعبر عن العمق السحيق للنفس الإنسانية. فالرغبـات مدفونـة فـي العمـق اللاشعوري، وهذا يعني أن الأحلام فـي أكثرهـا رسائل نابعة من عالم اللاشعور.
فالعناصر اللاشعورية المكبوتة نفسيا يجب ألا تصـل إلـى سـاحة الشعور في أية صيغة كانت، وهذا يحدث بالتأكيد في حالة الأعـراض العصابيـة، ولكن هذه الأعراض تتوافق مع تحولات غير طبيعيـة، أو بـالأحرى مـع تحـولات غير شائعة داخل البنية النفسية، وذلك لأنه وتحت تأثير أسباب عديـدة خاصـة بالصراعات يحدث خلل في التوازن الطبيعي. فهناك قوى ناهضة للنزعاتالمكبوته كما يعتقد فرويد قادرة على اختراق الحواجز والوصول إلى ساحة الشعور أو الوعي وذلك من خـلال الحلم. وتلك نتيجـة طبيعيـة ومنطقيـة للنـوم : أثنـاء النـوم تتراخـى المراقبة وتنخفض طاقة الأنا والقـوة النفسـية التـي تحـافظ عـلى وضعيـة المكبوت العادية. وفي هذه اللحظات تنتهز الطموحات اللاشعورية الدفينة والمكبوتة الفرصة أثناء النـوم، لتخترق ساحة الشعور ولكن قوة الكَبْت التـي تسـجل ضعفـا كبـيرا تبقـى مع ذلك موجودة بحدود دنيا لتمارس بعضا من عملها وفعالياتها.
وبالتالي فإن رقابة الحلم ( القوى الواعية التي تراقب وتمنع اندفاعات اللاشعور ) هي بقية القوى الكابتة، فهي تمنـع الرغبـات اللاشعورية من الظهور بصفة مباشرة. يعتقد فرويد أنه وبسبب قوة المراقبة التي تمارس عملها حتى اثناء النوم، ويطلق عليها الرقابـة الحلمية، فإن اندفاعات اللاشعور التي تتبدى في الحلم وترتدي ثوب الأحلام ( التفكير الحلمي) يتوجب عليها أن تتوخى الحذر وأن تتخفى عن أنظار قوة المراقبة ومن أجل ذلك تتسلل بأثواب وهيئة تساعدها على تجاوز قوى المراقبة للوصول إلى ساحة الشعور وهنا تحدث بعض التغيرات والتعديلات في هيئة هذه القوى والتي تجعل الحلم غريبا استثنائيا غير منطقي مفارق للمعاني الموضوعية بحيث يستحيل فهمه ويصعب إدراك دلالاتـه الحقيقيـة، لأن القوى اللاشعورية تأخذ طابع التقنع وتظهر على غير صورتها الحقيقية ولا تتبدى بهيئتها أو صورتها الحقيقية وبصفة مباشرة.
ومن هنا يمكن الانطلاق لتفسير الغامض في الأحلام، وهنا تكمن التفسيرات الخاصة بتشوهات الحلم ودلالاته غير المباشرة. فالعناصر الأساسية للحـلم في صيغته الخام(الاندفاعات اللاشعورية المكبوته) تأخذ صيغا تحويليّة أكثر براءة تسمح لها بالوصـول إلى ساحة الشعور. لقد تحدثنا في مثالنا السابق عن السيدة التـي حـلمت بقتـل الكلب الصغير الأبيض ولاحظنا كيف اكتشف المحلل وجود اندفاعات عدوانية عند السيدة ضد سلفتها، وهي اندفاعات مرفوضة من قبل الحالمة، ولكـن هـذه النزعـة إلى القتل تتخفّى في ثياب الحلم وذلك بدلا من الظهور بطريقـة مباشـرة : فـالكلب الصغـير يلعـب دور الضحية إذ يصعب جدا أن تكون الضحية المنشـودة السلفة نفسـها. فمن أجل إعادة بناء المادة الحلمية استطاع المضمـون الكـامن( رغبة قتل السلفة ) أن يخـرج إلى ساحة الوجود أو الشعور في صورة رمزية حلميةمتخفيّة وبطريقة مجهولة من قبل الشعور نفسه هذه الصورة هي : خنق الكلب، فرقابة الحلم تسمح بخنق كلب ولكنها لا تسمح بخنق امرأة، ولذلك فإن رغبة قتل السلفة هذه تخفت في هيئة رغبة بقتل الكلب الأبيض وهذا أمر تسمح به الرقابة الشعورية والكلب الأبيض هنا رمز جديد للمرأة المرغوب بقتلها : السلفة. لنعد من جديد إلى عبارة المرأة عندما قالت لسلفتها بصورة واعية : لا أريد في بيتي كلبا يعضني : هذه العبارة ارتسمت في ساحة اللاشعور وأصبحت اللفظة رمز للسلفة. وهكذا يتم الربط بين رمزية الكلب والسلفة. بعبارة أخرى يمكن القول بأن صورة السلفة الحاقدة أخذت رمزية جديدة فهي كلب مسعور في وجدان المرأة الواعي واللاشعوري. وهكذا استطاع المضمون الكامن أن يرتدي هذا الثوب : الكلب البيض ليخدع رقابة الضمير. وتيقى الرابطة بين الكلب والخنق البياض فالمرأة تخنق الطيور البضاء والكلب أبيض والكلب حيوان أيضا ففعل خنق الكلب المسعور في منطق الشعور أمر مشروع وهو أكثر مشروعية في منطق الاندفاعات الحلمية.
فإدراك العلاقة الدقيقة المتخفيّة بين المضمون الظاهر والمضمون الكامن يشكَّل المنطلق الأساسي لإدراك وتفهم القضايا الخاصة بعبثية الحلم.
يرفض بعض الأشخاص قطعيا أن تفسـر أحـلامهم وفقـا لهـذه المنهجية ويرفضون بقوة أن تكون أحلامهم صورة لرغبات لاشـعورية فـي مـوت بعـض الأصدقـاء والأحبة ! كتبت إحدى المريضات إلى فرويد قائلـة “ أتجسر حقا عـلى القول بأنني أريد الموت لزوجي ! إن في هذا بلاهة واضحة ! لقد كّوّنا أسرة متكاملة وبالتالي فإن موته يحرمني من كل ما أملكه في هذه الدنيـا “. ويقـول مـريض آخر : كيف تستطيع أن تقول إنني آسـفة عـلى إنفاق مبلـغ كرسته لأخواتي ومن أجل تربية أخي ؟ إن هذا مستحيل! فأنا لم أعمل أبدا إلا من أجل عائلتي ولا توجد لـي أيـة غاية أخرى في الحياة غير إنجاز واجـبي مـن أجـل أسـرتي”. هـذه الاعتراضات مشروعة إلى حدّ كبير ولا سيّما في المستوى الشعوري من التفكير، فهي صحيحة مـن جهـة نظر لاشعورية وخاطئة إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضعية الشعورية.وهنا يمكن أن نلاحظ المشقة الكبيرة التي يتجشمها عالم النفس عندما يريد أن يتحدث عن دلالة حلم ومغزاه أي عندما يريد أن يدخل في مجاهل المضامين الكامنة والخفية.
فهناك نزعات لاشعورية، والحالم له كل الحق في أن يعلن بأنـه يجهل هذه النزعات وأنه يرفضها في الوقت نفسه. ولكنه مـع ذلـك لا يحـق لـه أن يعـارض إمكانيـة الوجـود اللاشعوري لهذه النزعات. يعرف فرويد في النهاية الحلم بأنـه : هـو تحـقق مٌقَنـّع لرغبة مكبوتة لاشعورية وهو لا يعدو في النهاية عن كونه تنفيذا لرغبة معينه.
مواد الحلم:
تشكّل النزعات اللاشعورية الينابيع الأساسية لصورة الأحلام ويمكن الإشارة إلى مصادر أخرى. لقد عرفنا سـابقا أنه يمكن الاستفادة من الاستثارات الخارجية والداخلية في توظيفات الحلم. ولكن علماء النفس يركزون في هذا المجال على أهمية العناصر مـا قبـل شـعورية هـذه التي توجد في الذاكرة القريبة وفـي الذكريـات والاهتمامـات التـي تشكّل المواد الأساسية للحلم.
وغني عن البيان أن المضمون الظاهري للحلم يعتمد على أحداث جـديدة ومشـاريع حديثة واعية، فأكثرية الأحلام تشتمل عـلى عمليـات ذهنية تدور أحداثها في ماض قريب. ويطلق فرويد على هـذه العمليـات بقايـا أحداث اليوم. هذا ويمكن لعمليـات الاصطفـاء الخاصـة بالذكريـات أن تتدخل في عملية صياغة الحلم وهي بالتالي يمكنها المساهمة في تحليل دلالاته العميقة. وعندما يقـع الخيار على مجموعة ذكريات، فإن ذلك يتم على ضوء القرابة التـي تشـد هـذه الذكريات إلى العناصر اللاشعورية. وينسحب الشيء نفسه على الاهتمامات حديثـة العهـد التـي تعطـي الفرصـة لظهور اهتمامات أكثر عمقا. فالحلم بصورة مبسطة مزيج من مـواد مختلفـة تتكـون بالدرجـة الأولى من بقايا الاهتمامات اليومية ذكريـات حديثـة واهتمامات، ومـن دينامية لاشعورية بالغة العمق يطلق عليها فرويد رغبة. ويحدث أن العنـاصر ما قبل شعورية توظف لإنتاج ما يسمى المضمون المعلـن للحـلم، وهـي فـي كـل الأحوال لا تمثل المضمون الكامن. وإذا حدثت إزاحة الأفكـار التـي يعـبر عنها الحلم فإن ذلك يشير إلى كل ما يريده المرء : تحذيرات، مشاريع. ومع ذلك فإن الحلم يبقى تحقيقا لرغبة لاشعورية : فالحلم ليس مشـروعا محـدودا أو تنبيها قصير المدى بل يمثل وعلى نحـو دائـم مشـروعا أو تحذيرا يُوَلِّـد – بتأثير رغبة لاشعورية – طريقة تعبير تسعى إلى تحقيق رغبة.
الحلم والجنس:
لقد قاد تحليل الأحلام فرويد في أغلب الحالات إلى إدراك المكونـات المختلفـة لليبيدو ( طاقة الحب) والتـي تـرتبط بـالعقدة الأوديبية، أو بعناصر جنسية أخرى. ومع ذلك فإن فرويد يعترف بأن الرغبـات المحركة للحلم ليست بالضرورة رغبات من نسق جنسي، فهناك مجموعة أخـرى مـن الرغبات يمكن أن تكون في أساس الحلم بشرط أن تكون هذه الرغبـات مكبوتـة في الحدود الدنيا. يقول فرويد في هذا الخصوص في كتابه “تفسـير الأحـلام” لايجب أبدا أن ننسى أهمية المٌرَّكَب الجنسي ولكن لا يجب أن نبالغ إلى حدّ النظر إليه بوصفه يملك تـأثيرا نهائيـا وبـلا حـدود. إن القول بأن جميع الأحلام يجب أن تفسر عـلى نحـو جنسـي مقولـة تخـالف منطق العلم في تفسير الأحلام.
تتطلب معرفة الدور الذي يؤديه الليبيدو داخل اللاشعور مـن المحـلل أن يبحث عن المحتوى الكامن الجوهري للحلم وذلـك داخـل المركبـات الجنسـية. فالميول المكبوتة يمكنها أن تنتمي في إطار هـذه الحالـة إلـى مـاض قـريب نسبيا كما يمكنها أن تعود إلى المرحلة الطفلية مـن الحيـاة. قـالت إحـدى السيدات لفرويد أنها حلمت بأن ابنتها قد توفيت وهي لم تتجاوز بعد السـابعة عشـرة مـن العمر. لقد افترض فرويد أن السيدة كانت قد تمنت الموت لابنتها فـي إحـدى المرات وذلك على نحو شعوري ثم أصبحت هذه الرغبة لاشعورية لاحقا فالابنة كانت نتاجا لزواج بائس انتهى بطلاق بين الزوجين. ولمـا كـانت الأم حـامل بطفلتها هذه فهي وعلى أثر مشاجرة مع زوجها بدأت تضرب نفسها ساعية إلى إجهاض نفسها متمنية موت من في أحشائها. وهذه الأحداث القديمة تفسـر بوضـوح الرغبـة اللاشعورية عند الفرد الخاصة بموت أحد الأحبة أو الأقرباء.
وغالبا ما يعود المحلل النفسي غالبا إلى ذكريات بعيدة جدا وذلك في مرحلـة الطفولة وهي المرحلة التـي تنتظـم مـن خلالهـا وعـلى نحـو لاحـق الحيـاة اللاشـعورية للنفس الإنسـانية، وهـذا يســميه فرويــد بــالزمن القــديم للحلم. ومن هذا المنطلق فـإن العقـد والمركَّبـات مثـل عقـدة أوديب وعقدة الخصاء تمثلان مفتاح الأحلام.
تقول حالمة أخرى أنها شاهدت نفسها على شاطئ البحر وفجأة تـرى مـنزلا كبيرا في نهاية الشاطئ، ثم تشاهد نفسها وكأنهـا داخـل قـارب صغـير على مسافة قريبة من المنزل، ثم تبدأ موجات عاتية تحيط بقاربها وبدا لها وكأن المـنزل يتحرك وكأنه قارب. بعدها تشعر الحالمة بالدوار وذلك لأن القارب يتحرك على منوال المنزل وهي في إطار قلقها هذا تدفع أمها داخل الميـاه وفـي هـذه اللحظـة نفسها تشعر بأن القارب بدأ ينساب ويطرحها داخل الماء ثم تصيح طالبة النجدة. وعلى أثر ذلك تشاهد أباها بين المنقذين ثم يأخذها بين ذراعيـه. ثـم تسـعى إليـه صائحة بابا بابا.
لا يتطلـب تفسير هذا الحلم مشـقة كبـيرة : فالعلاقة الحميمة بين الأم وابنتها تنقطع وهي تنادي أباها. أما فيما يتعلق بالمنزل الكبير والقارب الصغير فإن ذلـك يتعلـق بذكريـات طفولية تخص سرير المهد داخل غرفة والديها ( عقدة أوديب). هذا هو التفسير الذي وصل إليه لافورك Laforgue عبر منهج التداعي.
ويشير الحلم التالي إلى العقدة الأخوية Complexe fraternel والذي يتبدى بوضـوح كـامل. وهو حلم فتاة مفاده أنها كانت تتنزه داخل مدينة حيث كانت الشوارع مزدحمـة :” كـنت أقول لنفسي هذه هي الحرب التي ستبدأ أو بـالأحرى التـي تسـتمر وذلـك لأن السلام لم يكن إلا حلما. ولم أكن قادرة على التحمل ثم سألت مـا إذا كـان أخي قد انصرف إلى الحرب “.
نشوب الحرب تتطلب دعوة أخيها إلى الجندية وكان أخوها يحظى بالدلال منذ اللحظة التي وجـد فيهـا في هذا العالم. أما الفتاة الحالمة كانت محرومة من الحنان وتعاني من طفولتها حيث كانت تتعرض لهجمات الأخ بصورة دائمة. ولذلك فهي في الحلم تجدد الحرب وذلك من أجل التخلص من أخيها.
التأويل والتَنَكٌر:
تفسير الحلم على الطريقة الفرويدية أشبه بقراءة الخطوط الهيروغليفيـة. ففي الأمثلة التي سقناها حتى هذه اللحظة يبـدو لنـا أنـه لمـن السـهولة بمكان أن نقرأ المحتوى الكامن للحلم وفقا لصورة المحتوى الظاهر المعلن. أما فـي الأحلام المعقدة فيأخذ المضمون المعلن صيغة تَنَكٌر بعيدة المدى وصورة مزيفه للمضمون اللاشعوري، وذلك يتطلب طاقة كبيرة جدا من أجـل الوصـول إلى تفسيرات العمليات السائدة في هذا المستوى. ويصف التحليل النفسي هذه العمليات بمفـاهيم مثـل التكثيف Condensation والإزاحة Deplacement والترميزSymbolisation والدرامية Dramatisation، وتأخذ هـذه المفاهيم صيغة عمليات لاشعورية خاصة بالنشاطات اللاشعورية، وهـي توجـد فـي أصـل بنية المظاهر المَرَضيَّة العصابية، هذا ويمكن للأحلام أن تضع هـذه العمليـات في دائرة الوضوح.
يفوق المضمـون الخـفي للحـلم مظهـره من حيث الغنى. وبالتالي فإن المحلل لا يستطيع أبدا أن يستنفذ الصعوبات التي توجد داخل الحلم. لقد أدرك بينيه Binet إلـى أي حدّ يكـون التفكير عن طريق الصور محدودا بالقياس إلـى التفكـير الـذي يعتمـد عـلى المفاهيم، حيث يقول عبارته المشهورة : يفكر المرء جيدا فيما بعـد الصـورة. ويمكـن لهـذه المقولة أن توظف في مجال الأحلام، فهي تشير إلى غزارة المعطيـات الرمزية وذلـك بالقيـاس إلـى الصـور الحلميـة الخـام : فالحلم المعلن هو ترجمة مختصرة للمحتوى اللاشعوري. وهنا يستخدم فرويـد مفهوم التَّحَدُد التضافري Surdetermination “ ( تحدد سلوك ما بدوافع مختلفـة ) ليشير إلى طاقة المادة الحلمية والتي يمكنها أن تترجم عدة عنـاصر خفيـة وأن تجسد موضوعات لاشعورية متعددة.
التكثيف Condensation:
ويمكن لهذا النموذج الحلمي المأخوذ من فرانك Frank أن يكون مثالا جيدا لعملية التكثيف : حلمت سيدة أنها كانت تتنزه مـع صديقتهـا فـي الشارع وإذ بها تتوقف أمام واجهة لمشاهدة القبعـات المعروضـة ثـم تدخـل وتشتري قبعة سوداء. أكدت السيدة لمحللها أنه سبق لها أن شاهدت هذه القبعات واقعيا ولكنهـا لم تشتر أيا منها وكان زوجها في هذا اليوم يعاني مـن مـرض وكـانت قلقـة عليه وأثناءها قدمت صديقتها تبحث عنهـا وكـانت راغبـة حقـا فـي الترويح عن نفسها عبر نزهة قصيرة. وأثناء النزهة جرى الحديث عن رجل كانت تعرفه قبل زواجها وكانت تحبه جدا، لقد بدا لها أنه لمن المستحيل بمكـان أن تفكـر بالزواج منه الآن وهو رجل ميسور. أما فيما يتعلق بالقبعة لقد أعلنـت الحالمـة أنها كانت فعلا ترغب بشراء واحـدة، ولكـن ذلك لـم يكـن ممكنـا بسـبب الحالـة المادية المتردية لزوجها.
إن شراء القبعة السوداء يشكل هنا مفتاح الحلم: فشراء قبعة سوداء تستعمل أثناء المآتم كـان قـد حـدد بتـأثير رغبة ثلاثية : موت الزوج، الرغبة في الزواج من الرجل الذي تحبه، وأخـيرا الرغبة في الحصول على المال. وهـذا يعنـي أن صـورة القبعـة كـانت تحـديدا متضافرا لعوامل مختلفة Surdétermination.
تستند عملية التكثيف إلى عنصرين أساسيين حيث يتبـدى المضمـون المستتر داخل الحلم الظاهر. ويشبه هذا الواقع حال شخصين توجـد لديهمـا مشاعر متشابهة (غيرة، سوء نية ) هذه المشاعر تتبدى في صورة واحدة مركبـة تبـدو في الحلم. وهذا يعني أن التكثيف يؤدي إلى تمرير مجموعة من الميول بعيـدا عن الرقابة الشعورية وذلك عندما يتـم ترجمـة هـذه الميـول إلـى صـور هـي بالضرورة نتاج لنزعات أخرى.
الإزاحة Déplacement:
تحدث هذه العمليات عندما يتم إزاحة الموضوع الخاص بنزعة ما إلى موضوع آخر. وتلك هي أهم عملية تهيمن على مجال الدينامية اللاشعورية. تسمح هـذه العملية لبعض العناصر المكبوتة أن تَّحول فعاليتها إلى صيغة جـديدة أكـثر قدرة على التكيف. ويشمل إزاحة الرغبـات والمرفوضات ( أشكال المعاناة التي تـرتبط بـردود الأفعـال الخاصـة بعقدة الإحساس بـالذنب ) وغالبا ما تشكّل هذه العملية الأساس الحقيقي للتوازن النفسي عند الأفراد.
ويستند فرويد إلى صورة هزلية لرسم الملامح العامة لعملية الإزاحة المسـتخدمة مـن قبـل الوعي اليقظ: اتٌهِـم بيطـار القريـة (حذّاء الخيول ) بجريمة الخيانة الكبرى، وبما أنه لا يوجد بيطار آخر في القريـة قررت المحكمة إعدام واحد من الخياطين الثلاثة في القرية.
هذا ويمكن لعملية الإزاحة أن تأخذ موضوعا جـديدا كمـا فـي المثال السابق أو أن تأخذ اتجاها مجانسا. وتلك هي حالة الصياد الذي كـان يصطاد الطرائد الكبرى وبتأثير بعض الظروف اتجه إلى صيد الحجل. ويعني هذا أن نزعته قد تحولت إلى موضوع جديد، وأن هنـاك ظـروفا جـديدة مثـل الـزواج والصحة أو المرض منعته من ممارسة نشاطه المعهود. فالرغبة الأولية قد تستبدل برغبـة أخـرى مجانسة لها. ويمكن ملاحظة الأمر نفسه في مستوى الرهابات العصابية ولا سيّما رهاب الخوف من الحيوانات الذي يتعرض لعملية إزاحة فيحل حيوان محل آخر بوصفه موضوعا للرهاب.
ويلاحظ على مستوى الحلم، والميول اللاشعورية، أن التحويل يلعب دورا كبيرا في مخادعة الرقابة الشعورية. إذ يمكن لأشياء غير معنية أن ترهب صاحب الحلم وأن تثير فيـه مخـاوف حقيقيـة وذلـك لأنهـا اسـتبدلت بموضوعات أخرى قادرة على بث الخوف والقلق. ففـي الحـلم الـذي أشرنا إليه سابقا والخاص بعملية خنق الكلب الأبيض نلاحظ أن الحـقد الـذي تكّنه السلفة تجاه سلفتها قد أخذ موضوعا آخر وهو الكـلب الـذي لا يجـانس الموضوع الأساسي إلا في مستوى التداعي. ويمكـن فـي هذا السـياق أن يعزى لعملية التحـويل نزعـة الحـالم إلـى إضفـاء اهتماماته وإسقاطها على الآخرين.
ويتم هذا الأمر في صيغة معكوسة تماما بمضمونهـا الكـامن داخـل الحـلم الظاهر المعلن الخ… ومن هذا المنطلق فإن تفسير الأحلام يقوم فـي جـانب كبير فيه على أساس إدراك الغايات الحقيقية وإيجاد علاقات التحويل وتحليل التكثيف وذلك لأن كلاهما التكثيف والتحويل يشـكلان العمليـة التـي تسـهم بالدرجة الأولى في بناء التشوهات واللاتماسك الذي يتبدى في الأحلام.
الدراماتيَة Dramatisation:
يشير مفهوم الدراماتية إلى حالة يعبّر فيها المضمون الظاهر للأحـلام عن وضعية أو فعل أو أفكار مجردة تتطلب من أجل أن تدخل في الحلم أن تتحول إلى صور في صورة دراما أو في صورة شاعرية. فالتملك على سبيل المثال يتجسد فـي حالـة فيزيائيـة كأن يجـلس المرء على شيء ما ويسيطر عليه. قد يقول واحد من الناس لنفسه” إن النضال من أجـل هـذه الحياة لا يستحق كل هذا العناء ” وعند المساء يـرى هـذا الشـخص فـي حلمـه : خنفساء تتسلق شباك النافذة وعندما تصل إلى أعلى نقطة فيه تسقط ثم تعـاود الصعود. ومثال ذلك أن أحد الكتاب يعتقد أنه يجب عليه أن يصحح بعض العبارات في مقالـة له وفي المساء يحلم أنه يصقل قطعة من الخشب.
تمارس الدراما تأثيرا اصطفائيا في المواد المستخدمة داخل بنية الحلم الظاهر. وهي تخضع لتحديات صريحة، إذ لا يمكن التعبير عن كل شيء من خلال الصور. وبالتالي فإن الطريقة التي يعبر فيها عن العلاقات المنطقيـة داخل الحلم تتغاير مع تغاير الأفراد، وأحيانا تبدو في صورة عملية تنطوي على عـدة صور في آن واحد حيث تتجلى العلاقات السببية في تعاقب هذه العناصر نفسها. وهنا يجب أن تتوافر الحكمة الكبيرة من أجل تفسير كـل هـذه العلاقـات السـببية بمـا فيهـا من تعارضـات وتناقضات.
رمزية الأحلام Symbolisme des rêves:
الرمز شيء أو تصور يأخذ مكان شيء أو تصور آخر بوصفه مشـابها لـه أو لأنه يرتبط به بعلاقة ما، وهو في ذلك يقدم دلالة ليست له في الأصل. ولكن توجد في أغلـب الحـالات روابط محـدودة تربط الرمز بالمرموز إليه. عـلى سـبيل المثـال : حفنة من تراب الوطن تمثل بالنسبة للمغترب رمز الوطن البعيد.
لقد بينت تجارب المحللين أن صور الأحلام تمثل عددا كبـيرا مـن الرموز الخاصة بالصور الكامنة واستطاعوا مـن خـلال هـذه التجـارب تحـديد مجموعة من الرموز التي تشير إلـى عـدد كبير مـن الصـور على نحو منتظم. وتشكّل هـذه الرمزية أيضا وسيلة لاشعورية من أجل التَنَكّر وتجـاوز حـدود الرقابـة الشعورية.
وهناك عدد من الرموز النموذجية، حيث تتجلى السـلطة الأبويـة أو الأموميـة غالبا في رمزية صورة ملك أو أمير. ويمكن للنظام الرمزي للأب أن يأخذ أشكالا متعددة مثل : ملك، أو رئيس. وقد يأخذ صور حيوانات مقتدرة كاسره مثل الأسد والصقر والثـور. فالحلم الذي يهاجمنا فيه صقر يشـير إلى هيمنة أبوية وهو يرمز إلى عنصر القهر الذي يمارسه الأب، كما يمكنه أن يمثل الرغبات الأوديبية، ولكن غالبا ما يأخذ الأب المخيف صورة ثور هائج. وهناك أحلام كثيرة مـن هـذا النوع وذلك بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون بمكانتهم الدونية تجاه آبـائهم.
تنظر المرأة إلى الذكورة في تجلياتها العدوانية حيث تـأخذ رمزيـة الأدوات القاطعة والحادة. أما الأنوثة فتأخذ رمزية سلبية عند الذكـور إذ غالبا ما تأخذ صورة مادة مثقوبة أو قناة أو حفرة أو كهف أو قارب، وقـد يرمـز لهـا بصـورة العنكبوت الذي يمثل الأم المخيفة التي تسجن طفلها داخل حلقات سيطرتها.
هذا ويرمز إلى الولادة وبشكل منتظم بانبثاق المـاء، حـيث يتـم الغوص في الماء أو الخروج منه. وهذا يشير إلى حـمل أو ولادة أمـا المـوت فيرمز له بالرحيل.
لا يوجد في نيتنا أن نذكر جمع الرموز التي يشير إليهـا فرويـد فـي مجال علم الأحلامScience des rêves. ولكن لا بد في هذا السياق من الإشارة إلى نموذجين من الرموز وهما جديرين بالملاحظة : فالتصورات اللاشعورية المحـددة يمكـن أن تترجم وحسب الحالة إلى صور رمزية مختلفة جدا هذا من جهة. وهناك حرية واسعة جدا في مجال رمزية الحلم إذ توجد رموز لا حصر لهـا يمكنهـا أن تشير إلى شيء واحد على سبيل المثال يرمز للأب برموز مثل الملك والأسد والصقر والثور وهذه الرموز تشكّل ما يسمى بمنظومة الرمـوز الأبويـة. وعـلى خـلاف ذلـك يمكـن لرمز واحد أن يشير إلى منظومة من الدلالات والتي يمكنها أن تتوافق مع عناصر لاشعورية ذات أحوال مختلفة فالقارب يمكـن أن يشـير إلـى مهـد الطفولة أو إلى الطبيعة الأنثوية.
إن تحليل الرموز وتفسـيرها أمـر يتطلـب أنـاة وصـبرا : فـالرمز المنعزل لا يمكنه أن يشير إلى أي مفتاح للدخـول إلـى دهاليز اللاشـعور. فـالمنهج الرمزي لا يشابه في أية حال من الأحوال منهج التداعي. يقـول فرويـد: “إن التقنية التي تستند إلى معرفة الرموز لا يمكنها أن تحل محل هذه التـي ترتكز إلى التداعي ولا يمكن أن تقاس بها. فهي تتكامل مع الأخيرة وتزودهـا بمعطيات هامة “. تشير هذه الخلاصات بما فيه الكفاية إلى تعقيـد العلاقـات القائمـة بين الشعور واللاشعور في دائرة الحلم. فالحلم، من وجهـة نظـر، ليس شـيئا آخر سوى نتاج عمل يهدف إلى فعل التكثيف والإحالة والدراما والترميز، وذلك دون أن نتوغل في إحصاء الفعاليات الجانبية والتي تعمل على توحيد المعطيات المختلفة في كلَ متكامل داخل الحلم والتي تعمل على تنظيـم المـواد الحلميـة داخل نسق لا يمكن فهمه بسهولة. هذا ويمكن القول بصورة أخرى أن الحلم هـو عمل بنائي يعبر عن الأفكار الكامنة في مجاهل اللاشعور.
ويمكن للرغبات العاطفية أن تجد ترجمة لها داخـل المضمـون المعلن للحلم عبر صور ورموز وكيفيات مناقضة تماما لمبدأ تحـقيق هـذه الرغبـات. فعمليـات الحـلم تجـعل المضمون الخفي للحلم غير مفهوم ومقنع بشـكل كـامل، ومـع ذلـك فـإن هـذه العمليات تكشف عن الدلالة الحقيقية وفقا لمبدأ التداعي. يصف أحد المحللين ثلاثة أشكال من الأحـلام المختلفـة الناجمة عن رنين منبه الصباح. في المرة الأولى شاهد المحلل نفسه فـي الحـلم عائدا من إحدى الكنائس حيث يشاهد قارع الأجراس يصعد إلى جرس الكنيسة ويرنه. وفي الحلم الثاني كان في الشتاء حيث كان يسير على زلاجـة تصـدر رنينـا وتجلجل، وفي الحلم الأخير يشاهد عاملة المطبخ تأتي إلى صالة الطعام وعلى الرغم من تحذيراته لها تركت الصحون تسقط على الأرض. يسجل فرويد ملاحظاته حول هـذه المسألة : الحالم لا يدرك منبه الإيقاظ وهذا لا يشكّل عنصرا مـن عنـاصر تفسير الحلم فهو يستبدل الضجة التي يصدرها المنبه بضجة أخرى وهو يفسـر في كل مرة الحدث بطريقة مختلفة لمـاذا ؟ يقـال إنما يحـدث في هذه الحالات يحدث بحـكم المصادفة الاعتباطية. ولكن تفسير الحلم على نحـو موضـوعي يقتضـي منـا أن نعرف لماذا يختار الحلم هذا الصوت دون الأصوات الأخرى وذلك ضروري من أجـل أن نفهم الإثارة الحلمية التي يسببها المنبه.* د. علي أسعد وطفة