الرئيسية / شارع الثّقافة / الشّاعر محمّد عارف قسّوم يوقّع مجموعتَه الشّعريّةَ “صليل الآه”

الشّاعر محمّد عارف قسّوم يوقّع مجموعتَه الشّعريّةَ “صليل الآه”

لم يكن حفلُ توقيعِ الشّاعر محمّد عارف قسوم لديوانه (صليل الآه) يوم

أمس الخميس حدثاً عادياً؛ بل استثنائيّاً بكلّ تفاصيله..

كان عشّاق الجمال يتوافدون إلى الصّالة بشوقٍ كبيرٍ قبل أكثر من ساعةٍ من موعد بدء الحفل.. حتّى إذا كانت الواحدة ظهراً اكتظّت الصّالة بالحضور، وكانت البداية مع الشّاعر أحمد جوّاش الّذي ألقى كلمةً هي أشبه بتحيّة وفاءٍ مؤثّرة، تحدّث فيها عن العلاقة الممتدّة الّتي جمعته بالشاعر الإنسان وأهمّ مزايا الشّعر عنده، وممّا قال فيها:

“عرفتُ فيه أحدَ سادة العشّاق للحرف العربيّ وللكلمة المعبّرة.. وجدتُ فيه صدىً لكلّ ما أحملُ من مشاعر عَجِزْتُ عن ترجمتِها لغةً  فعبّر عنها هو أحسنَ تعبير.. مَدَحَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فجاء بالجديد الجميل، وتَعرّض لأسرته الصّغيرةِ فكان أباً يحلو أنْ يحذوَ حذوَه الآباء، وتحدّثَ عن الوطنِ الجريحِ فبكى وأبكى، فأَكْرِمْ بهِ مِنْ صاحب بيتٍ وأَعْظِمْ بهذا الزاد من زاد في زمنٍ قلَّ فيه مَن يُعطي، وأصبح من يحمل هَمَّ الأمّة غريباً..”..

ليختتم الشّاعر الجوّاش كلمته بأبيات خاصّة بالمناسبة، يقول فيها:

أليـــــــــس من التّجنّي ما تقول   بحضرةِ مَنْ تَحَامَتْهُ الفُحولُ

يصوغُ من الحروف البِكْرِ دُرّاً   تســـــامى أنْ يكونَ له مثيلُ

عرائسَ من بيـــــانٍ مُتْرَفـــاتٍ   إذا أَسْـــفَرْنَ تحتجبُ العقولُ

ولا يُبدِيْـــنَ زينتَهُـــــــــــنّ إلّا   لِمَنْ يهــــوى نعيماً لا يزولُ

ولا يصلى بنار العشـقِ طَوْعَاً   سِـــوى مَنْ كابدوهُ وهُمْ قليلُ

إليهـمْ ينتهي مجــــــدُ المعاني   وفي أكنافهـــــــــمْ ظِلٌّ ظليلُ

وأروعُ ما يكون الشّــــعرُ لمّا   مِنَ الآهـــاتِ ينبعـثُ الصّليلُ

بعد ذلك قدّم النّاقد والقاصّ زياد الأحمد دراسةً نقديّةً عميقةً رصينةً للمجموعة، ركّز فيها على أهمّ مكوّنات الهويّة عند الشّاعر محمّد عارف قسّوم، واستهلّها بالحديث عن محمّد عارف قسّوم (الإنسان) قائلاً: ” عرفتُه وجهاً طافحاً بالبشاشة، مشعّاً بالحبّ، تهبُّ منه رائحةُ صحراءٍ عربيّةٍ معتّقةٍ في أعماقه.. ملامحُهُ مكتظّةٌ بحكايا سجينةٍ وراء غلالةِ حزنٍ وكبرياءِ بَوْحٍ، وفي أعماق عينيه يترقرق شعرٌ رماديٌّ يميل إلى السّواد، مقفّى بصمتٍ يشعّ هدوءاً مهيباً حيناً وصخباً وغضباً ومشاكسةً حيناً آخر…

أخبرني مَرّةً أنّه يحبّ الزّهور، لكنّه يدرك أنّنا سُلِبنا حتّى الحوضَ الّذي سنزرعها فيه، خرجنا عارين حتّى من شُرفةٍ دائمةٍ لإناء وردة….. وأخبرني مَرّةً أخرى أنّه يشتهي أن يشتريَ قبيل العيد باقةَ ريحان؛ لكنّه يعرف أنْ لا قبر لنا نقف عليه يوم العيد لنزرع عليه ريحانَنَا …. “،  لينتقل بعدها للحديث عن محمّد عارف قسّوم (الشّاعر) في ديوانه (صليل الآه)، مسلّطاً الضّوء على أهمّ محطّات الجمال فيه، بدءاً من العنوان الّذي وصفه بـ “القصيدة المكتظّة المعاني”، وانتقالاً إلى تحليله العميق لأهمّ ملامح هويّة الشّاعر وأبعادها الموجعة، الّتي تتناغم ما بين ذاتيةٍ تحمل عنواناتٍ عريضةً تتلخص في الحبُّ والإيثارُ والتّسامحُ والتّسامي والاغترابُ والحزن، ووطنيّةٍ قوميّةٍ تحلّل واقعَ الأمّة وتطرح رؤى للخلاص، وإنسانيةٍ تنزع إلى الحبّ والإخاء الإنسانيّ، وترى الكونَ بكلّ ما فيه وطناً للشاعر يتألّم لألمه ويفرح لفرحه، ودينيةٍ قائمةٍ على المحّبة والتّسامح والبعد عن التّعصّب والإقصاء وإلغاء الآخر..

ليخلص للقول: “إنّ مكوّناتِ الهويّة عند الشّاعر محمّد عارف قسّوم بنيت على خمسة أبعاد؛ أوّلُها البعدُ الذّاتيُّ المتّسمُ بالحبّ والتّسامي والتّرفّع عن الدّونيّات، إضافة إلى الألم والحزن والاغتراب، وبُعدٌ يتداخل فيه الهمُّ الوطنيُّ بالقوميّ، يشرح فيه حالَ أمّته باحثاً في أسباب الدّاء، طارحاً رؤياه للخلاص، وبُعدٌ إنسانيٌّ يرتقي فيه من الهمّ الفرديِّ إلى همّ الإنسان في كلّ بقاع الأرض، وأخيراً بعدٌ دينيٌّ يتّكئ عليه الشّاعر لأنّه الرّكن الأصلُ في بنيته الفكريّة، ويرى فيه وسيلةً للخلاص من خلال استحضار الماضي الإسلاميّ المشرق، وخاصّة الشّخصيّة المحمديّة، لتكون مثالاً يُحتَذى للخروج من تيه الأمّة”.

مشيراً إلى أنّ هذه المكوّناتِ الهوياتيّة لم تكن منفصلةً في القصائد، بل جاءت متداخلةً متمازجةً، حيث يتداخل الهمُّ الذّاتيُّ بالوطنيِّ والقوميِّ حتّى الإنسانيّ.

وملخّصاً رؤيةَ الشّاعر للخلاص من خلال الاعتماد على الماضي المشرق، بعد أن تُحذَف منه كلُّ ترّهاتِهِ وأكاذيبه، إضافة إلى وعي الحاضر وأسباب بلائه المتمثّل في الرّعيّة قبل الرّاعي.

وألقت الأديبة الشّابّة آلاء أبرص كلمةً باسم الشّباب المُهجَّر، جاء فيها: “ نتقدّم بجزيل الشّكر للأستاذِ ذي القلب الكبير الشّاعرِ محمّد عارف قسّوم الرّجلِ المتفائلِ دائماً وأبداً، والّذي كان سنداً وقوّةً لكلّ شابٍّ وشابّة في هذه الغربة القاسية. وكان النّاصحَ لنا في الثّبات على الطّريق الصّحيح، وعدم النّظر إلى ما مرّ علينا من صعاب.. كان يحفزُّنا أنْ نَسلُكَ الطّريقَ الّذي نتمنّاه ويتمنّاه الوطنُ ونسعى دائماً إلى تحقيقه.. وكان فخوراً بما نفعلُه حتّى ولو كان جزءاً صغيراً.. ” ثمّ توجّهت بحديثها المباشر للشاعر قائلةً: “أستاذي اليوم أنا أقفُ أمامك لكي أهنّئَكَ بماقدّمتَه لنا.. 

أستاذي ستكونُ دائماً وأبداً قدوتَنَا، نسيرُ بفضِلك بعد فضلِ الله لصنعِ مستقبلٍ جديد.. بك نكبُرُ وبك نكون”.

بعد ذلك توقّف الجمهور عند قصيدةٍ للشاعر محمّد عارف قسّوم تمّ بثُّها على شاشة العرض مقتطفةٍ من لقاء تلفزيونيّ جمع الشّاعر القسّوم بالإعلاميّ والشّاعر المتميّز مصطفى مطر.. ليعقبها عزفٌ جميلٌ على آلة الغيتار جادت به أنامل الفنّان الأصيل صائب عقيل والطّفلة المتألّقة سما حجازي، ولتتلوها باقةٌ من الخواطر المكتوبة باللهجة المحكيّة للأستاذ مجيب الجوّاش، اتّسمت بالعفويّة المحبّبة والانسيابيّة الجميلة، تتحدّث عن صفات الشّاعر محمّد عارف قسّوم – كما يراها – وانحيازها للحقّ والخير والجمال.. وليكون مسكُ ختامِ الحفل مع كلمةٍ ساحرةٍ للشاعر محمّد عارف قسّوم شكر من خلالها الجمهورَ الرّائع.. متحدّثاً عن عمق ارتباط ذلك الجمهور بالشعر، مجدّداً عهدَ الوفاء معه، ومؤكّداً انتماءه إليه.. وفيها قال: ” لن أهديَ أحداً منكم اليومَ ديواناً بل قلباً بين غلافين.. وصليلَ آهٍ..

متشبّثاً بأشلاءِ صباحاتٍ ومزقِ وطنٍ وأنقاضِ موسيقى آتيكمْ مذبوحَ الخطا، وما كنتُ لأستطيعَ لولا فيضُ محبّتِكم أيّها النّبلاء.. كان يكفي احتفاءُ قلبٍ واحدٍ بديواني ليهبَني سعادةً ممتدّةً لا تُحدّ، كيف إذا كان الاحتفاءُ هو (أنتم) بقلوبِكم كلِّها….؟!

ستجدون في الدّيوان المحبّةَ الخالصة.. الصّفاءَ الخالص.. ستجدون أنفاسَكم المضمّخةَ بياسمين الشّام.. ستجدون الوطنَ الذّبيحَ الشّامخ.. ستجدون الأهلَ بما يحملون من دفءٍ في هذا الصّقيع.. ستجدون زوجتي الوفيّة تكلؤ العالمَ بإنسانيّتها.. ستجدون الطّفولةَ النّقيّة متمثّلةً بأولادي الّذين يعتزّون بكم كأبيهم..”.

مضيفاً: “سامحوني إذْ لا أملكُ كلماتٍ تستطيعُ البوحَ لكم بكلّ ما في قلبي من حبّ.. أعاهدُكم أن أبقى كما أنا ذلك القلبَ الّذي لم يصبأ ولم يَحِدْ عن نهجِ حبٍّ اعتقده ولم يبدّلْ تبديلا.. وسيبقى يُسَوسِنُ للحبّ وللإنسانيّةِ أبهى القصائدِ وأعذبَها.. تحيّة لكم قلباً قلباً بحجم الشّوقِ إلى وطنٍ مشتهى..
تحيّة لفضاء وفائكم الممتدّ.. لأصابع قلوبِكم وهي تجوسُ بحثاً عن خيطِ ضياءٍ في ليلٍ شديدِ السّواد..

تحيّةً لسجاياكم المكتظّةِ بالجمال والّتي لولاها لغدا العالمُ غابةً مجدبةً خانقةً سيّئةَ المقاصدِ لا ماءَ فيها ولا هواءَ ولا نقاء..

والتّحيّة كلّ التّحيّة لهدهدِ شوقٍ بعثتُ به يوماً لوجهِ بلادي ولم يَعُدْ…. يبدو أنّه مات قنصاً أو اختُطِفَ أو قُتِلَ بشظيّةِ قذيفةٍ حاقدة.. ومتأكّدٌ أنّه سيعود حتّى لو صحّ ما سبق كلُّه.. أجل؛ سيعود، وسنعودُ بعون الله..

بعد ذلك قام الشّاعر محمّد عارف قسّوم بتوقيع ديوانه وسط حفاوة الحضور وفيض محبّتهم.

عمر القيسيّ/ خاصّ – ملتقى خطوة

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

“أنشودة وطن” جديد الشاعر السوري محمد عارف قسوم..

بقلم ‌نمير الصالح تحت عنوان “أنشودة وطن” نشر الشاعر السوري محمد عارف قسوم على قناة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *