الرئيسية / شارع الثّقافة / “صليلُ الآه” إنصاتٌ للزمن وإنصافٌ له..

“صليلُ الآه” إنصاتٌ للزمن وإنصافٌ له..

          بقلم: ندى م عادلة

“صليلُ الآه”.. حياةُ وطنٍ أم موتُ وطن..؟!  ذلك الديوان الذي وصل وأصاب – معنىً ومبنىً – آهاتِ كلِّ سوريٍّ..

الآن؛ ومن دار الغربة والهجرة القسريّة ينبثق، ويتجلّى بعناوين متعدّدةِ الأهدافِ والمشاربِ (خوابي النور، لاتسلني من نحن؟، مملكة الحبّ، يا أنت يا وطني، لأجلِ سلميةٍ ولأجلِ وجهِك، ليس شعراً مالم نكن، ملح الحياة الحبّ، نشيد التحدّي…)  وغيرها في طيّاتِ مجموعةٍ أبياتُها الأملُ والألمُ..

 لست مختصّةً بالنقد، ولا أمتلك أدواته الكافيةَ؛ ولكنْ لا أستطيع إلّا أن أشير إلى ما شعرتُ به وتحسستُه تجاه هذا العملِ ولو بشكلٍ مبسّط..

 تضمّ المجموعةُ هواجس ورؤيا لشاعرٍ سوريٍّ ابنِ طيّبةِ الإمام المعروفةِ بطيبِ قاطنيها.. شاعرٍ في قصائده صوتُ أمته؛ تغيب عنده لغةُ الفرديّة والنرجسيّة ليلامس العمقَ الإنسانيَّ في خروجٍ جميلٍ عن المألوفِ الشعريّ، مؤكِّداً أنّ الشعرَ ليس تراثاً بالياً مقنّعاً بالوهم.. إنّه ثقافةُ تجاوزِ الماضي ومعاقرةِ الحاضر بالأجمل والأشمل والأسمى..

 الشعر ليس وصفاً وبلاغةً لدى الشاعر قسّوم.. إنّما هو فيضٌ عاطفيّ ونفاذٌ إلى جوهرِ الحياةِ ومعايشةٌ للحاضرِ بكلِّ شجونه..

 يضمّ الديوانُ مجموعةً من القصائد تتراوح بين العموديّة والتفعيلة، والشكلُ الشعريّ في جميعها يرتبط بوعيِ الشاعر واقترابه الروحيّ من العالم الجماليّ الذي يتفاعل معه، ولكلّ نصٍّ موسيقاه وإيقاعه..

 الحياةُ دون شعر حياةٌ دون روح، والشعرُ عنده إنصاتٌ للزمن وإنصافٌ له..

يمتلك الشاعرُ في “صليل الآه” غابةً من المشاعر والأحاسيس والرموز والإشارات الموّارة بالألمِ المنبعثِ من أعماق وطنه، وهوالصارخ بكلّ حنانٍ ووعي:

نحـن لاشـــيء غربةٌ وضيـاعٌ   

وشــراعٌ يســـيرُ من غيرِ هادِ

عمرُنا الوهـمُ كــلَّ يومٍ جديــدٌ

عن حكايا مجهـــولةِ الإســناد

خَفّفِ الوطءَ لم نكن أهلَ شأنٍ   

ذاتَ يـومٍ فلا تقـــــــل أجدادي

“صليل الآه” دعوة للتفكير ومعاقرة الواقع والابتعاد عن عفن الماضي والالتصاق بالحقيقة لا الوهم.. هكذا الشاعر وحده من يصارع لوثةَ الزمن:

وحدي أصارعُ لوثةَ الطوفانِ

 لا الجوديُّ يعصمُني

ولا يدُ نوح نحو الروحِ تمتدُّ

 لا مجد غير الوهم..

لا عمروٌ ولا زيدُ

هنا الشعر وهنا الشاعر.. هنا صوت الأمّة.. هنا الوطن..

لن أذهب بعيداً، وسأنتقل لسلمية في ديوان “صليل الآه” تلك التي يرى فيها الشاعرُ امتداداً لطيّبة الإمام مسقط رأسه، وذلك في قصيدته التي يخاطبُ فيها الشاعر محمّد الماغوط:

أبداً؛ لذاتِكَ لا ســـواها

تصطلي،

وتذوبُ في عينيكَ ذاتْ

تهمي دماً، شوقاً إلى وطنٍ نقشتَ على جدار الرّوحِ..

لؤلؤُ مقلتيهــا كالصلاةْ

هي غيمةٌ حطّتْ على الصّحراء حيناً

فاســــتحالتْ جنّةً غنّاءَ..

تقتل عاشـــقيها الصّيدَ..

حدَّ الموتِ أو حدَّ الحياةْ

واسّابقت تجني سنابلَ ما زرعتَ،

وقِبلةً بذراعِ عاشِقها ومعولِ عشقه المجنون تُحْتطبُ الجهاتْ

إيماءةٌ:

ولأجل وجهِكَ  هائمين بهِ..

لأجل سَلَمْيَةٍ..

 نسعى حُفَاةْ..

الله.. الله! ما هذا الإشراق، وما هذا الوفاء؟!!

هنيئا للشعر بوجود قلمٍ حرٍّ نظيف كقلم محمّد عارف قسّوم..

ولنردد مع نزار قبّاني:

أتجوّل في الوطنِ العربيّ لأقرأ شعري للجمهورْ

فأنا مقتنعٌ أنّ الشعرَ رغيفٌ يُخْبَزُ للجمهورْ

وأنا مقتنعٌ منذُ بدأتُ

بأنّ الأحرف أسماكٌ

وبأنّ الماءَ هو الجمهورْ

أتجوّل في الوطن العربيّ وليس معي إلّا دفترْ

يرميني العسكرُ للعسكرْ

وأنا لا أحملُ في جيبي إلّا عصفورْ

لكنّ الضابطَ يُوقِفُني

ويريدُ جوازاً للعصفورْ

تحتاجُ الكِلْمةُ في وطني لِجوازِ مُرورْ

أخيراً أقول: القصائدُ في “صليل الآه” موسيقى عذبةٌ ومعانٍ آسِرَةٌ تتسلّل إلى القلب نديّةً وحالمةً وشاهقة كمنارةٍ من ضوء في هذا الزمن المظلم الصعب..

 ندى م عادلة

 

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

“أنشودة وطن” جديد الشاعر السوري محمد عارف قسوم..

بقلم ‌نمير الصالح تحت عنوان “أنشودة وطن” نشر الشاعر السوري محمد عارف قسوم على قناة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *