الرئيسية / شارع الثّقافة / نحو سِدرة الأنا قراءة تفكيكيّة في نصّ حبال السّؤال للشاعر ياسر الأطرش

نحو سِدرة الأنا قراءة تفكيكيّة في نصّ حبال السّؤال للشاعر ياسر الأطرش

 

بقلم: زياد الأحمد

نادت المناهج النّقديّة في مرحلة ما بعد الحداثة بانفتاح النّصّ، واعتماد لغته وشيفراته لاستقراء معانيه بعيداً عن المؤلّف، وبذلك تكون قد أعطت سلطة الأدب للقارئ بعد أن كانت في النّقد الكلاسيكيّ للكاتب. ولتصبح عمليّة القراءة عمليّة إبداعيّة ولينطلق النّصّ من سكونيّته إلى إنتاج نصوص إبداعيّة تتعدّد بتعدّد قراءاته، وبهذا يتحوّل القارئ إلى منتج مبدع آخر للنصّ.

وإذا كانت البنيويّة قد أعطت سلطة الأدب للنصّ، وليس لمؤلّفه وقالت بالقراءات المتعدّدة، وتحليل الثّنائيّات الضّدّيّة لكشف مغاليق النّصوص، معتمدة على النّحو واللّغة؛ فإنّ التّفكيكيّة من بعدها قد قالت بلانهائيّة القراءات، والنّصّ بالنسبة إليها هو منطلق لا أكثر.

ويذهب التّفكيكيّون في تحليلهم النّصوص إلى أنّ النّصّ ليس إلّا واقعة لغويّة، وليس صورة لواقع فيجب أن ننأى بها عن المؤلّف والواقع، والنّصّ عندهم بما يضمره، وليس ما يتكلّم عليه لأنّ الدّالّ أي اللّغة لا يدلّ مباشرة على المدلول، فالخطاب في النّصّ ما هو إلّا حجاب يمارس التّغييب لمعان خفيّة، ومن مهام القارئ أو النّاقد كشف زيف اللّغة بحثاً عن تلك المعاني.

ومنه فالنقد التّفكيكيّ هو كشف؛ أي أنّه يتجاوز منطق النّصّ إلى ما يسكت عنه، أو ما غفل عنه خلف السّطور، والمعنى الحرفيّ لمصطلح التّفكيك الّذي قال به دريدا وليتش وجوفري هارتمان هو الهدم والتّقويض لما تبوح به ظاهراً لغة النّصّ، ولكنّ القراءة التّفكيكيّة ليست هادمة فقط، فهي تكشف وتوضح وتثبت أوّلاً المعاني الظّاهرة، ثمّ تقوم بنقض أو هدم ما توصّلت إليه من نتائج؛ معتمدة على البحث عن التّناقضات في النّصّ، والنّصّ بطبيعته – كما يرى دريدا – مجموعٌ لغير متجانس، وفيه عوامل بناء وهدم، وبذلك تكون مهمّة النّاقد البحث عن متناقضات النّصّ، أو عمّا يناقض ما يصرح به، وبالتالي يجب النّظر إليه على أنّه مخادع مخاتل يمارس حجباً مضاعفاً فهو يحجب ذاته، وما يتكلّم عليه في وقت واحد.

ونرى أنّ جميع أدوات النّقد قديمه وحديثه يجب أن تتداخل في عمل النّاقد بعيداً عن فرض مذهب دون آخر..  فبدءاً من الشّرح والتّفسير الّذي اعتمده النّقد القديم، إلى التّأويل الّذي يبحث في المعنى ومعنى المعنى، وانتهاء بالتفكيك الّذي يهدم ظاهر المعنى، جميعها ضروريّة لكشف مرامي النّصّ وفض أسراره ومغاليقه، وهذا ما سأتبعه في قراءتي لنص الشاعر ياسر الأطرش حبال السؤال وهو نصّ وجدانيّ وجوديّ إنسانيّ يحاول الشّاعر من خلاله أن يقدّم معادلاً عاطفيّاً لفكر فلسفيّ يتلخّص في البحث عن الإنسان الفاضل، أو السّامي، وقد شقي الإنسان عبر تاريخه الطّويل في البحث عنه بين ثنائيّاتٍ تؤرّق وجوده الإنسانيّ، ومنها  الفرح والحزن أو السّعادة والشّقاء والحرّيّة والعبوديّة، والحياة والموت وليعلن الشّاعر من خلال النّصّ تعلّقه بالطرف الأوّل من هذه الثّنائيّات (الفرح والحياة والحرّيّة والسّلام) وليس  متسامياً على الطّرف الثّاني منها فحسب؛ بل على كلّ من يرضى بها أو يدعو إليها، وليوصل بذلك رسالته إلى الإنسان الّذي مازال قلقاً حائراً متخبّطاً بين أطراف تلك الثّنائيّات الضّدّيّة.

وتحاول هذه الدّراسة استنطاق لغة النّصّ لكشف تعبيرها عن تلك المعاني، وذلك من خلال كشف ماهيّة المتكلّم بضمير (الأنا) في النّصّ، وعلاقته بالطرف المقابل الّذين يخاطبهم بـ (هم وأنتم)، ومرامي كلّ طرف منهم، وسنلاحظ أنّ هذه الـ (أنا) ستتكلّم بثلاثة ألسنة، ومن ثلاثة مواقع مختلفة، وبها يبدأ المقطع الأوّل في قوله:

أنا رأس مالي

فقدت الكثير من الأغنيات على درب حزني الطّويل

ولكن…

بقيت برغم حداد النّجوم

أموسق أحزان بعض اللّيالي  

المتكلّم هنا هو الشّاعر الّذي يعيش حالة من الفقد والحزن، ويحاول التّمسّك بالمتاح من الفرح، حيث يعلن – ومن البداية – سيادته على كلّ ماله، فهو (رأس) بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى معجميّ ودلاليّ، فالرأس حامل الدّماغ المتحكّم بالجسد كلّه، وبحياة الإنسان كلّها، كما هو رمز للسيادة والعلوّ، ويحصر هذه السّيادة بكلمة (ما لي) المؤلّفة من اسم موصول (ما) وشبه الجملة (لي)، وبهذا ينفي أيّة هيمنة للآخر عليه، كما يحجب التّركيب نقيضه أيضاً – كما يقول التّفكيكيّون – وهو عدم هيمنته على الآخرين من دونه، ويعترف بفقدانه للكثير من الفرح، وخروجه عن قدرته على التّحكّم فيه، لكنّه يصرّح بفاعليّته وعدم استسلامه، فرغم فقده للأغنيات مازال يحتفظ بروحها وهي الموسيقا، فراح يموسق ما بقي له  ليواجه بها الحزن رغم أنّه حزن طويل، وسخّر للتعبير عن هذا الطّول صورة (حداد النجوم)، ومعروف أنّ النّجوم في شعرنا العربيّ كانت رفيقة حزن الشّعراء وسأمهم وضجرهم، وهي في بطء حركتها رمزاً لطول وتخييم ذلك الحزن:

فيالك من ليل كأنّ نجومه       بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

وسنلاحظ من خلال النّصّ أنّ المتكلّم بهذه الأنا هو ذلك الكائن البشريّ الّذي تُحدّ حياتُه بالولادة والموت، ويحاول اغتنام المتاح من الحياة الفرحة. ولكن في مقاطع أخرى من النّصّ ستتكلّم هذه الأنا بصوت الإنسان المطلق المحلّق فوق الأزمنة والأمكنة.. صوت الإنسان الخالد المستمرّ في هذه الحياة من قبل ولادة الشّاعر ومستمرّ بعد موته كما في قوله:

أنا سيّد الأرض

لا شيء قبلي ولا شيء بعدي

وفي قوله:

أنا زفرة الطّين

حين تنفّس هذا الشّقيّ اصطدمت بخلقي

عظامي ولحمي رمال

غزاها الجنود فما عدت شيئاً فيا أيّها الطّين سحقاً أعد لي رمالي

ومعروف أنّ الطّين هو عجينة الإنسان الأولى، والّتي نفخت فيها الرّوح، وحين تنفّست كان الإنسان الأوّل، وهذا الإنسان الأوّل أشقته الخطيئةُ فيما بعد، وحمل نسلُه وزرَها في وجودهم الأرضيّ، ونلاحظ تقريره أنّه (زفرة الطّين) وليس تنفّسه الّذي كانه الإنسان الأوّل، والفرق بينهما أنّ الزّفير وهو نفس أيضاً لكنّه تعبير عن غيظ وتمرّد داخليّ، فهو متمرّد على طينيّته القابلة للعجن والقولبة وفق ما تريده الأصابع الّتي تقولبه، وهو يجنح نحو تمرّد الرّمال على القولبة (عظامي ولحمي رمال)، ويمتاز الرّمل بقدرته على الحركة والانتشار، والتبدّل والانتقال، بعكس الطّين الذي يشلّ حتّى الحركة، وواضح هنا توظيف رمزي الطّين والرّمال ليفضح أولئك الّذين يريدون سلب الانسان حريّته وإنسانيّته، كما نرى أنّ المتكلّم مؤمن بطينيّته، لكنّه مصدوم بها، متمرّد عليها، فهو زفرة الطّين، وعظامه ولحمه رمال.

وفي المقطع الثّاني تأكيد لصوت هذا الإنسان الحلميّ المطلق الّذي يريد الشّاعر استخلافه في الأرض بعد أن يتمرّد ويتجاوز حالته الطينيّة الّتي تشلّه فيقول:

أنا لا يقين الولادة قصدي

ولست أراني جناية أمّ

وما النّوم بعد سكون الحياة

يؤطّر مثل الكثيرين منكم حدود خيالي

لكم كتب من حديد ونار وجرح وملح ودمع قديم

ولي صفو بالي

وهنا نلمح تسامياً صوفيّاً عمّا يؤرّق البشر من حياة وموت، فهو قادم إلى هذه الحياة ممّا قبل الولادة، ماض إلى ما بعد الموت، ولهذا يقرّر أنّه لا يرى في ولادته جسداً؛ جنايةً من أحد عليه كما رأى المعرّيّ أنّ وجوده جناية أبيه عليه، وما جنى على أحد، بل لا يرى في الولادة والموت حدّين يؤطّران حياته، كما هو شأن بقيّة البشر؛ فهم سجناء مسافة ما بين الحياة والموت، ولهذا يتمسّكون بالحياة خائفين من فقدها، فأمسوا عبيد مناهج مدوّنة في كتب ذات أجوبة معلّبة مسبقة الصّنع وصلت إلى حدّ التّقديس، (كتب من حديد ونار وملح وجرح ودمع قديم) وكلمة كتب هنا تلمّح إلى بعض المناهج والتّحزّبات والإيديولوجيّات المقدّسة الّتي تأمر بقتل النّاس بعضهم بعضاً بحجّة الفوز بالحياة الدّنيا، أو بالعالم الآخر عالم ما بعد الموت …. وبمعنى آخر هم عبيد كلّ ما يكدّر صفو الحياة من حروب وأحقاد وضغائن وآلام، بينما الإنسان المحلّق فوق حدّي الولادة والموت جامح إلى صفو باله وهدوء حياته بعيداً عن هذه المؤرّقات.

ولهذا يعلن براءته من كلّ أولئك الّذين يقتلون وفق مطالب كتبهم، وقد قرّروا فيها أن يتكلّموا باسم الله، وجاعلين منها أجوبة نهائيّة لا تقبل الرّدّ يقول:

ويا ربّ إنّي برئ من الياسمين

يمجّد أعناق قتلى الصّليب وقتلى الهلال

أنا آخر الضّارعين إليك

فإن يسلك النّاس درب الجواب

فإنّي اعتصمت بحبل السّؤال

فالإنسان المتكلّم في النّصّ هو الاحتمال الّذي أراده الخالق لنشر العدل، ومقاومة الظّلم والفساد والمتعاطف مع المظلومين والمتعبين، ولهذا نعت نفسه بأنّه آخر الضّارعين إليه، في إشارة إلى استمرار هذه الحالة إلى نهاية عمر الإنسان.

وإذا وقفنا عند الصّورة في قوله (حبل السّؤال) والّتي جاءت عنواناً لهذا النّصّ نلمح إيمان المتكلّم بأنّ السّؤال وليس الأجوبة هو الوسيلة الوحيدة للارتقاء إلى الذّات الإلهيّة المتسامية، وذلك من خلال استعماله باء الاستعانة مع كلمة حبل الّذي هو وسيلة تسلّق وارتقاء.

 وما يؤكّد سعي الشّاعر لتحقيق هذا الاحتمال الإنسانيّ الخالد قوله:

مشيت إليّ على كلّ بحر يؤدّي إليّ

وما خنت أرصفة المتعبين

ولكن نجوت من الكرنفال المعدّ لتوحيد لون الوجوه

فكانوا احتمالاً وكنت احتمالي

ويتّضح ذلك الصّراع بينه وبين تلك القوى الّتي تحاول طمس ملامح الإنسان المتسامي على عوالم الشّرّ من خلال ثنائيّة (الأنا والأنتم) في النّصّ، فكما تسعى هذه الأنا لتكريس خلافة الإنسان في إعمار الأرض يسعى الطّرف المقابل إلى النّقيض من خلال قتل التّغاير والتّمايز والاختلاف التّكامليّ الّذي تستمرّ به الحياة، وذلك من خلال خلق عبيد لكتبهم وايديولوجيّاتهم ومذاهبهم وأطماعهم في امتلاك الأرض..

ورغم القناعات الّتي يتسلّح بها الشّاعر، ويؤمن أنّه المنتصر الباقي في هذه الحياة إلّا أنّه لا ينكر قوّة الطّرف الآخر مقابل غربته وضعفه، فهو يشكو اغترابه ووحدته وفقدان من يبشّر به أو يحميه ويفتديه فيقول:

أمرّ وحيداً إلى كوكبي

فما من خيال نبيّ يطول ليسرى به إلى سدرتي

ولا من صديق ينام بأقدار ذاك الرّسول

ليهجر صيف الأوان القصير ويدرك بعدي

تعالى جلالي

وواضح هنا إعلانه افتقاره إلى من يشاركه حمل رسالته وإيصالها للآخرين، أو من يفتديه بنفسه، من خلال تضمين قصّة نوم عليّ بن أبي طالب في فراش النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين حاصر المشركون بيته يريدون قتله، وهنا تعلن ألفاظ النّصّ – كقوله: (كوكبي، سدرتي، الرّسول، الأقدار، جلالي)، وما توحيه من معان – إيمانَ الشّاعر بأنّ الإنسان خليفة الله، وعليه أن يستعمل مفرداته وأن يكون بحجم هذه التّكليف.  

ونقرأ صوتاً ثالثاً تتحدّث به هذه الأنا:

أنا ما اكتملت قَتلت قُتلت

سرقت البكاء من التّائبين

زرعت احتمالي لكي يحصد اليائسون الهواء

عقرت الظّلال

فضاع الصّبيّ ولم تأت شيئاً فريّا

ولكنّني جئت ألف افتراء

ليثبت نقص يسوع اكتمالي

في هذا المقطع ثمّة أكثر من تناقض، فهو يتناقض داخليّاً بين شطرته الأولى الّتي يصرّح فيها بعدم اكتماله، وبين الأخيرة الّتي يعلن فيها اكتماله، وثمّة تناقض خارجيّ مع المعاني الّتي صرّح بها في النّصّ أيضاً.

 ففي قوله (أنا ما اكتملت قتلت قتلت) نسمع صوت الأنا الأولى الّتي جاءت في مطلع النّصّ، وهي صوت الكائن البشريّ الّذي يكافح ويحارب لإثبات وجوده وليمسك بالمتاح من الحياة، ويعلن اعترافه بعدم كماله كما اعترف من قبل بفقده للكثير من الأغنيات كما رأينا.

ولكنّ هذا الصّوت يفاجئنا بعد الشّطرة الأولى بتراكيب تتناقض مع ما كان يطرحه ذلك الصّوت الإنسانيّ الفاضل المتسامي كقوله:

سرقت البكاء من التّائبين

عقرت الظّلال

جئت ألف افتراء ….

فالسرقة من الأفعال المشينة الّتي نهت عنها كلّ الوصايا الإنسانيّة فكيف إذا كان المسروق هو دموع التّائبين، وهي أصدق ما يعبّر به الإنسان عن رجوعه عن ذنبه واستقامته على الطّريق القويم؟

ثمّ إنّه عقر الظّلال مرتكباً بذلك جريمة قوم صالح الّذين عقروا النّاقة، وكذلك كان ألف افتراء وكذب وتلفيق… فكيف يستقيم هذا لمن يقول في النّصّ ذاته:

أنا سيّد الأرض

 لا شيء قبلي ولاشيء بعدي

و(مشيت إليّ على كل بحر يؤدّي إليّ

وما خنت أرصفة المتعبين) ثمّ يعقر الظّلال ويسرق دموع التّائبين؟

ولنتذكّر للإجابة عن هذا التّناقض ما قاله التّفكيكيّون بأنّ النّصّ مخادع مخاتل ويمارس الحجب والتّغييب، فلفظة السّرقة هنا تغييب للأمانة الّتي هي من خلق المتكلّم السامي في النّصّ، وحين تحارب أمانته سيتّهم بالسرقة، ونكتشف بهذا أنّ الكلام هو لأولئك الّذين يحاربونه، وهو يتحدّث بلسانهم؛ وكأنّه يقول: قالوا سرقت وقالوا: عقرت وقالوا: إنّني ألف افتراء …

ونَسَبَ هذه الأفعالَ إليه – كما نسبها هم إليه – استهزاءً وتعالياً لا أكثر. فهو كإنسان حلميّ مطلق لم يكتمل بعد، ولكنّه جاهد من أجل هذا الكمال فقَتل وقُتل، وكان سلاحه صدق التّائبين عن أخطائهم، حيث أخذ دموعهم واتّهم بسرقتها ليسقي بها احتماله الإنسانيّ المطلق، كي ينبت الهواء الّذي سيتنفّسه أولئك اليائسون، فالدموع منهم وإليهم، واتّهموه بالعقر إشارة إلى عقر ناقة نبيّ، رغم أنّه  قد قوّض مضاجع الّذين استكانوا لظلال الرّاحة… وتعبيراً عن كثرة الاتّهامات يستخدم كناية العدد الألف ليقول جعلوا مني ألف افتراء وافتراء كذبا وبهتاناً، وكان مَثله في ذلك كمثل مريم الّتي جاءت قومها بنبيّ سيكفّر عنهم جميع خطاياهم، ويرتقي بهم إلى الإنسان المُخلّص من كلّ ذنب  فقالوا لها: لقد جئت شيئاً فريّاً، واتّهموها بالسوء والبغي، وهذا ما حدث للمتكلّم في المقطع السّابق الّذي يعود ليختمه بصوت الإنسان المطلق الكامل، والّذي كان يسوع حلقة من حلقات السّعي إلى كماله.

ونصل إلى أنّ هذا المقطع تتداخل فيه ثلاثة أصوات لـلأنا المستخدمة، وأوّلها يتكلّم بصوت الإنسان البشريّ المكافح، والثّاني يتكلّم بلسان أعدائه، والثّالث بلسان الإنسان المطلق الكامل.

وخلاصة نقول: هذا نصّ إنسانيّ هاجسه هيمنة صوت الإنسان على الأرض، وما يحلم به من طمأنينة وراحة وسعادة، صوت صارخ لا يعرف الاستكانة في وجه أعداء الإنسانيّة. ولإيصال هذا الصّوت تقمّص الشّاعر صوت الإنسان المستخلف من الله بكلّ تساميه وجلاله، حتّى أنّه تقاطع مع الكثير من مفردات الذّات العليا لخلق عالم أرضيّ يرضي خالق الأرض والإنسان، كما تقمّص صوت الإنسان المكافح وصوت أعدائه.

عن Mr.admin

شاهد أيضاً

“أنشودة وطن” جديد الشاعر السوري محمد عارف قسوم..

بقلم ‌نمير الصالح تحت عنوان “أنشودة وطن” نشر الشاعر السوري محمد عارف قسوم على قناة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *